هذه السورة من السور المکیة، وعلى قول بعض المفسّرین فإنّها نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود، وتؤکّد ـ ککثیر من السور المکّیة ـ على عدة مسائل أساسیة واُصولیة، وأهمها مسألة المبدأ والمعاد.
غایة مافی الأمر أنّها تتحدث أوّلا عن مسألة الوحی ومقام النّبی (صلى الله علیه وآله)، ثمّ تتطرق إلى نماذج وعلامات الخلقة العظیمة التی تدل على عظمة الله عزّوجلّ، وبعد ذلک تدعو الناس إلى الإلتفات إلى عدم بقاء الحیاة المادیة فی هذه الدنیا، وحتمیة زوالها، ووجوب التوجه إلى الآخرة والتهیؤ لها عن طریق الإیمان والعمل الصالح.
وقد ذکرت السورة ـ کدلائل وشواهد على هذه المسائل ـ أقساماً مختلفة من حیاة کبار الأنبیاء، ومن جملتهم نوح وموسى ویونس (علیهم السلام) ولهذا سمّیت بسورة یونس.
وقد ذکرت کذلک، لتأیید هذه المباحث، کلاماً عن عناد وتصلب عبدة الأوثان، وترسم وتوضح لهم حضور الله سبحانه فی کل مکان وشهادته، وتستعین لإثبات هذه المسألة بأعماق فطرة هؤلاء التی تتعلق بالواحد الأحد عندما یقعون فی المشاکل والمعضلات، حیث یتّضح هذا التعلق الفطری بالله سبحانه.
وأخیراً فإنّها تستغل کل فرصة للبشارة والإنذار، البشارة بالنعم الإلهیّة التی لا حدود لها للصالحین، والإنذار والإرعاب للطاغین والعاصین، لتکملة ما ورد فیها من بحوث.
ولهذا فإنّنا نقرأ فی روایة عن الإمام الصّادق (علیه السلام): «من قرأ سورة یونس فی کل شهرین أو ثلاثة مرّة، لم یخف علیه أن یکون من الجاهلین، وکان یوم القیامة من المقربین» (1) ، وذلک لأنّ آیات التحذیر والوعید وآیات التوعیة کثیرة فی هذه السورة، وإذا ماقُرئت بدقة وتأمل، فإنّها ستکشف ظلمة الجهل عن روح ابن آدم، وسیبقى أثرها عدّة أشهر على الأقل، وإذا ما أدرک الإنسان محتوى السورة وعمل بها، فإنّه سیکون ـ یقیناً ـ یوم القیامة من المقربین.
ربّما لانحتاج أن نذکّر بأنّ فضائل السور ـ کما قلنا سابقاً ـ لایمکن تحصیله بمجرّد تلاوة الآیات من دون إدراک معناها، ومن دون العمل بمحتواها، لأنّ التلاوة مقدمة للفهم، والفهم مقدمة للعمل!.
1. تفسیر نور الثقلین، ج2، ص290 ، وتفاسیر اُخرى; ووسائل الشیعة، ج 6، ص 251.
