بحوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
محاربة الجهل وجهاد العدو: سورة التّوبة / الآیة 123

وهنا بحوث ینبغی التوقف عندها:

إنّ ما قیل فی تفسیر هذه الآیة إضافةً إلى أنّه یناسب سبب نزولها المعروف، فإنّه الأوفق مع ظاهر جمل الآیة من أی تفسیر آخر، إلاّ أنّ الشیء الوحید هنا هو أنّنا یجب أن نقدر جملة «لتبقى طائفة» بعد (من کل فرقة منهم طائفة ) أی: لتذهب طائفة من کل فرقة، وتبقى طائفة اُخرى، وهذا الموضوع بالطبع مع ملاحظة القرائن الموجودة فی الآیة لا یستوجب إشکالا. (فتأمل بدقة).

إلاّ أنّ بعض المفسّرین احتمل عدم وجود أیّ تقدیر فی الآیة، والمقصود أن جماعة من المسلمین یذهبون إلى الجهاد تحت عنوان الواجب الکفائی، ویعرفون فی ساحات الجهاد أحکام الإسلام وتعالیمه، ویرون بأنفسهم إنتصار المسلمین على الأعداء، الذی هو بذاته نموذج من آثار عظمة وأحقیة هذا الدین، وإذا ما رجعوا یکونون أوّل من یشرح لإخوانهم ماجرى (1) .

والاحتمال الثّالث الذی احتمله بعض المفسّرین، وهو أنّ الآیة تبیّن حکماً مستقلا عن مباحث الجهاد، وهو أنّه یجب على المسلمین واجباً کفائیاً أن ینهض من کل قوم عدّة أفراد بمسؤولیة تعلم الأحکام والعلوم الإسلامیة، ویذهبوا إلى معاهد العلم الإسلامیة الکبیرة، وبعد تعلمهم العلوم یرجعون إلى أوطانهم ویبدؤون بتعلیم الآخرین (2) .

ولکن التّفسیر الأوّل کما تقدم ـ أقرب إلى مفهوم الآیة، وإن کانت إرادة کل هذه المعانی لیس ببعید (3) .

لقد تصور البعض وجود نوع من المنافاة بین هذه الآیة والآیات السابقة، إذ الآیات السابقة أمرت الجمیع بالتوجه إلى ساحات الجهاد، ووبخت المتخلفین بشدة، أمّا هذه الآیة فتقول: أنّه لاینبغی للجمیع أن یتوجهوا إلى میدان الحرب.

ولکن من الواضح أنّ هذین الأمرین قد صدرا فی ظروف مختلفة، فمثلا فی غزوة تبوک لم یکن هناک بد من توجه کل المسلمین إلى الجهاد لمواجهة الجیش القوی الذی أعدته إمبراطوریة الروم لمحاربة الإسلام والقضاء علیه. أمّا فی حالة مقابلة جیوش ومجامیع أصغر وأقل فلیست هناک ضرورة لتوجه الجمیع إلى الحرب، خاصّة فی الحالات التی یبقى فیها النّبی (صلى الله علیه وآله) بنفسه، فإنّه یجب علیهم أن لا یُخلوا المدینة مع احتمالات الخطر المتوقعة، وأن لا یغفلوا عن التفرغ لتعلم المعارف والأحکام الإسلامیة.

وعلى هذا فلا یوجد أی نوع من التنافی بین هذه الآیات، وما تصوره البعض من التنافی هو اشتباه محض.

لا شک أنّ المقصود من التفقه فی الدین هو تحصیل جمیع المعارف والأحکام الإسلامیة، وهی أعم من الأصول والفروع، لأنّ کل هذه الاُمور قد جمعت فی مفهوم التفقه، وعلى هذا، فإنّ هذه الآیة دلیل واضح على وجوب توجه فئة من المسلمین وجوباً کفائیاً على الدوام لتحصیل العلوم فی مختلف المجالات الإسلامیة، وبعد الفراغ من التحصیل العلمی یرجعون إلى مختلف البلدان، وخصوصاً بلدانهم وأقوامهم، ویعلمونهم مختلف المسائل الإسلامیة.

وبناء على ذلک، فإنّ الآیة دلیل واضح على وجوب تعلم وتعلیم المسائل الإسلامیة، وبتعبیر آخر فإنّها أوجبت التعلم والتعلیم معاً، وإذا کانت الدنیا فی یومنا الحاضر تفتخر بسنّها التعلیم الإجباری، فإنّ القرآن قد فرض قبل أربعة عشر قرناً هذا الواجب على المعلمین علاوة على المتعلمین.

استدل جماعة من علماء الإسلام بهذه الآیة على مسألة جواز التقلید، لأنّ التقلید إنّما هو تعلم العلوم الإسلامیة وإیصالها للآخرین فی مسائل فروع الدین، ووجوب اتباع المتعلمین للمعلمین.

وکما قلنا سابقاً، فإنّ البحث فی هذه الآیة لا ینحصر فی فروع الدین، بل تشمل حتى المسائل الاُصولیة، وتتضمن الفروع أیضاً على کل حال.

الإشکال الوحید الذی یثار هنا، هو أنّ الاجتهاد والتقلید لم یکن موجوداً فی ذلک الیوم، والاشخاص الذین کانوا یتعلّمون المسائل ویوصلونها للآخرین حکمهم کحکم البرید والإرسال فی یومنا هذا، لاحکم المجتهدین، أی إنّهم کانوا یأخذون المسألة من النّبی (صلى الله علیه وآله)ویبلّغونها للآخرین کما هی من دون إبداء أی رأی أو وجهة نظر.

ولکن مع الاخذ بنظر الاعتبار المفهوم الواسع للإجتهاد والتقلید یتّضح الجواب عن هذا الإشکال.

وتوضیح ذلک: إن ممّا لا شک فیه أنّ علم الفقه على سعته التی نراها الیوم لم یکن له وجود ذلک الیوم، وکان من السهل على المسلمین أن یتعلّموا المسائل من النّبی (صلى الله علیه وآله)، لکن هذا لا یعنی أنّ علماء الإسلام کان عملهم هو بیان المسائل فقط، لأن الکثیر من هؤلاء کانوا یذهبون إلى الأماکن المختلفة کقضاة وأمراء، ومن البدیهی أن یواجهوا من المسائل مالم یسمعوا حکمها بالذات من النّبی (صلى الله علیه وآله)، إلاّ أنّها کانت موجودة فی عمومات واطلاقات آیات القرآن المجید. فکان هؤلاء قطعاً یقومون بتطبیق الکلیات على الجزئیات ـ وفی الاصطلاح العلمی: ردّ الفروع إلى الاُصول وردّ الاُصول على الفروع ـ لمعرفة حکم هذه المسائل، وکان هذا بحد ذاته نوعاً من الإجتهاد البسیط.

إنّ هذا العمل وأمثاله کان موجوداً فی زمن النّبی (صلى الله علیه وآله) حتماً، فعلى هذا فإنّ الجذور الأصلیّة للإجتهاد کانت موجودة بین أصحاب النّبی (صلى الله علیه وآله)، ولو أنّ الصحابة لم یکونوا جمیعاً بهذه الدرجة.

ولمّا کان لهذه الآیة مفهوماً عاماً، فإنّها تشمل قبول أقوال موضّحی وناقلی الأحکام، کما تشمل قبول قول المجتهدین، وعلى هذا، فیمکن الاستدلال بعموم الآیة على جواز التقلید.

المسألة المهمّة الاُخرى التی یمکن استخلاصها من الآیة، هی الأهمیّة الخاصّة التی أولاها الإسلام لمسألة التعلیم والتعلم، إلى الدرجة التی ألزم فیها المسلمین بأن لا یذهبوا جمیعاً إلى میدان الحرب، بل یجب أن یبقى قسم منهم لتعلم الأحکام والمعارف الإسلامیة.

إنّ هذا یعنی أن محاربة الجهل واجب کمحاربة الأعداء، ولا تقل أهمیّة أحد الجهادین عن الآخر. بل إنّ المسلمین مالم ینتصروا فی محاربتهم للجهل واقتلاع جذوره من المجتمع، فإنّهم سوف لا ینتصرون على الأعداء، (لأنّ الاُمّة الجاهلة محکومة بالهزیمة دائماً).

أحد المفسّرین المعاصرین ذکر فی ذیل هذه الآیة بحثاً جمیلا، وقال: کنت أطلب العلم فی طرابلس وکان حاکمها الإداری من أهل العلم والفقه فی مذهب الشافعیة، فقال لی مرّة: لماذا تستثنی الدولة العلماء وطلاب العلوم الدینیة من الخدمة العسکریة وهی واجبة شرعاً وهم أولى الناس بالقیام بهذا الواجب؟ ـ یعرّض بی ـ ألیس هذا خطأ لا أصل له فی الشرع؟ فقلت له على البداهة: بل لهذا أصل فی نص القرآن الکریم، وتلوت علیه الآیة فاستکثر الجواب على مبتدىء مثلی لم یقرأ التّفسیر وأثنى ودع (4) .


1. اختار الطبری هذا الرأی فی تفسیره، ج 11، ص 48، ذیل الآیة مورد البحث ونقل ذلک القرطبی فی تفسیره، وذکره جماعة من المفسّرین فی ذیل الآیة مورد البحث، کاحتمال.
2. هذا التّفسیر یناسب سبب النزول الذی أورده المرحوم الشیخ الطوسی فی تفسیر التبیان، ج 5، ص 323.
3. نلفت انتباهکم إلى أنّنا نعتبر استعمال کلمة واحدة فی عدّة معان أمراً جائزاً.
4. تفسیر المنار، ج 11، ص 78.
محاربة الجهل وجهاد العدو: سورة التّوبة / الآیة 123
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma