تتحدّث هذه الآیات أیضاً عن غزوة تبوک، والمسائل والأحداث التی ترتبط بهذا الحدث الکبیر، وما جرى خلاله.
فتشیر الآیة الاُولى إلى رحمة الله اللامتناهیة التی شملت النّبی (صلى الله علیه وآله) والمهاجرین والأنصار فی اللحظات الحساسة، وتقول: (لقد تاب الله على النّبىّ والمهاجرین والأنصار الذین اتبعوه فی ساعة العسرة ).
ثمّ تُبیّن أن شمول هذه الرحمة الإلهیّة لهم کان فی وقت اشتدت فیه الحوادث والضغوط والاضطرابات إلى الحد الذی أوشکت أن تزل فیه أقدام بعض المسلمین عن جادة الصواب، (وصمّموا على الرجوع من تبوک) فتقول: (من بعد ما کاد یزیغ قلوب فریق منهم ). ثمّ تؤکّد مرّة اُخرى على أنّ الله سبحانه قد تاب علیهم، فتقول: (ثمّ تاب علیهم إنّه بهم رؤوف رحیم ).
ولم تشمل الرحمة الإلهیّة هذا القسم الکبیر الذی شارک فی الجهاد فقط، بل شملت حتى الثلاثة الذین تخلفوا عن القتال ومشارکة المجاهدین فی ساحة الجهاد: (وعلى الثلاثة الذین خلِّفوا ).
إلاّ أنّ اللطف الإلهی لم یشمل هؤلاء المتخلفین بهذه السهولة، بل عندما عاش هؤلاء ـ
وهم کعب بن مالک ومرارة بن ربیع وهلال بن أمیة، الذین مرّ شرح حالهم فی سبب النزول ـ مقاطعةً اجتماعیة شدیدة، وقاطعهم کل الناس بالصورة التی تصورها الآیة، فتقول: (حتى إذا ضاقت علیهم الأرض بما رحبت ).
بل إنّ صدور هؤلاء امتلأت همّاً وغمّاً بحیث ظنوا أن لا مکان لهم فی الوجود، فکأنّه ضاق علیهم (وضاقت علیهم أنفسهم ) فابتعد أحدهم عن الآخر وقطعوا العلاقة فیما بینهم.
عند ذلک رأوا کل الأبواب مغلقة بوجوههم. فأیقنوا (وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إلیه )فأدرکتهم رحمة الله مرّة اُخرى، وسهلت ویسّرت علیهم أمر التوبة الحقیقیة، والرجوع إلى طریق الصواب لیتوبوا: (ثمّ تاب علیهم لیتوبوا إنّ الله هو التّواب الرحیم ).
