معبد وثنی فی صورة مسجد!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سبب النّزول 1ـ درس کبیر

أشارت الآیات السابقة إلى وضع مجامیع مختلفة من المخالفین، وتُعَرِّف الآیات التی نبحثها مجموعة اُخرى منهم، المجموعة التی دخلت حلبة الصراع بخطة دقیقة وذکیة، إلاّ أنّ اللطف الإلهی أدرک المسلمین، وبدد أحلام المنافقین بإبطال مکرهم وإحباط خطتهم.

فالآیة الاُولى تقول: (والذین اتخذوا مسجداً ) (1) وأخفوا أهدافهم الشریرة تحت هذا الإسم المقدس، ثمّ لخصت أهدافهم فی أربعة أهداف:

إنّ هؤلاء کانوا یقصدون من هذا العمل إلحاق الضرر بالمسلمین، فکان مسجدهم (ضراراً ).

«الضرار» تعنی الإضرار العمدی، وهؤلاء فی الواقع بعکس ما کانوا یدّعونه من أنّ هدفهم تأمین مصالح المسلمین ومساعدة المرضى والعاجزین عن العمل، کانوا یسعون من خلال هذه المقدمات إلى المکیدة بالنّبی (صلى الله علیه وآله) ورسالته، وسحق المسلمین، بل إذا استطاعوا أن یقتلعوا الدین الإسلامی وجذوره من صفحة الوجود فإنّهم سوف لا یقصرون فی هذا السبیل.

تقویة اُسس الکفر، ومحاولة إرجاع الناس إلى الحالة التی کانوا یعیشونها قبل الإسلام: (وکفراً ).

إیجاد الفرقة بین المسلمین، لأنّ اجتماع فئة من المسلمین فی هذا المسجد سیقلل من عظمة التجمع فی مسجد قبا الذی کان قریباً منه، أو مسجد النّبی (صلى الله علیه وآله) الذی کان یبعد عنه، (وتفریقاً بین المؤمنین ).

ویظهر من هذه الجملة ـ وکذلک فهم بعض المفسّرین ـ أنّ المسافة بین المساجد یجب أن لا تکون قلیلة بحیث یؤثر الاجتماع فی مسجد على جماعة المسجد الآخر، وعلى هذا فإنّ الذین یبنون المساجد أحدها إلى جانب الآخر بدافع من التعصب القومی، أو الأغراض الشخصیة ویفرقون جماعات المسلمین بحیث تبقى صفوف الجماعة خالیة لا روح فیها ولا جاذبیة، یرتکبون ما یخالف الأهداف الإسلامیة.

والهدف الأخیر لهؤلاء هو تأسیس مقر ومرکز لإیواء المخالفین للدین وأصحاب السوابق السیئة، والإنطلاق من هذا المقر فی سبیل تنفیذ خططهم ومؤامراتهم: (وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ).

إلاّ أنّ ممّا یثیر العجب أنّ هؤلاء قد أخفوا کل هذه الأغراض الشریرة والأهداف المشؤومة فی لباس جمیل ومظهر خداع، وأنّهم لایریدون إلاّ الخیر: (ولیحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى ) وهذا هو دین المنافقین ودیدنهم فی کل العصور، فإنّهم إضافة إلى تلبسهم بلباس حسن، فإنّهم یتوسلون عند الضرورة بأنواع الأیمان الکاذبة من أجل تضلیل الرأی العام، وإنحراف الأفکار.

إلاّ أنّ القرآن الکریم یبیّن أن الله تعالى الذی یعلم السرائر وما فی مکنون الضمائر، والذی

تساوى لدیه الظاهر والباطن، والغیب والشهادة یشهد على کذب هؤلاء: (والله یشهد إنّهم لکاذبون ).

فی هذه الجملة نلاحظ عدة تأکیدات لتکذیب هؤلاء، فهی جملة اسمیة أوّلا، ثمّ إنّ کلمة (إن) للتأکید، وأیضاً اللام فی (لکاذبون)، والتی تسمى لام الابتداء تفید التأکید، وکذلک فإنّ مجیء کلمة (کاذبون) مکان الفعل الماضی دلیل على استمراریة کذب هؤلاء، وبهذه التأکیدات فإنّ الله سبحانه وتعالى قد کذّب أیمان هؤلاء المغلظة والمؤکدة أشد تکذیب.

یؤکّد الله سبحانه وتعالى فی الآیة التالیة تأکیداً شدیداً على مسألة حیاتیة مهمّة، ویأمر نبیّه بصراحة أن (لا تقم فیه أبداً ) بل (لمسجد اُسّس على التّقوى من أوّل یوم أحقّ أن تقوم فیه ) لا المسجد الذی أسس من أوّل یوم على الکفر والنفاق وتقویض أرکان الدین.

إنّ کلمة (أحق) وإن کانت أفعل التفضیل، إلاّ أنّها لم تأت هنا بمعنى المقارنة بین شیئین فی التناسب والملاءمة، بل هی تقارن بین التناسب وعدمه، والملاءمة وعدمها، ومثل هذا التعبیر یستعمل کثیراً فی آیات القرآن الکریم والأحادیث، بل وفی محادثاتنا الیومیة، وله نماذج عدیدة:

فمثلا نقول للشخص المجرم والسارق: إنّ الاستقامة والعمل الصالح الصحیح أحسن لک، فإنّ هذا الکلام لا یعنی أنّ السرقة والتلوث بالجریمة شیء حسن، وأن الاستقامة والطهارة أحسن، بل معناه أنّ الاستقامة وحسن السیرة شیء حسن، وأنّ السرقة عمل سیء وغیر مناسب.

وقال المفسّرون: إنّ المسجد الذی أشارت الآیة إلى أنّه یستحق أن یصلی فیه النّبی (صلى الله علیه وآله)هو «مسجد قبا» حیث بنى المنافقون مسجد ضرار على مقربة منه.

واحتُمل أیضاً أن یکون المقصود منه مسجد النّبی (صلى الله علیه وآله)، أو کل المساجد التی بنیت على أساس التقوى، إلاّ أنّنا إذا لاحظنا تعبیر (أوّل یوم ) وأن مسجد قبا هو أوّل مسجد بنی فی المدینة (2) ، علمنا أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب والأرجح، ولو أنّ هذه الکلمة تناسب أیضاً مساجد اُخرى کمسجد النّبی (صلى الله علیه وآله).

ثمّ یضیف القرآن الکریم أنّه بالإضافة إلى أنّ هذا المسجد قد أسس على أساس التقوى، فإنّ (فیه رجال یحبّون أن یتطهّروا والله یحبّ المطهّرین ).

 

ولکن هل المراد من الطهارة فی هذه الآیة هی الطهارة الظاهریة والجسمیة، أم المعنویة؟

هناک بحث بین المفسّرین فی الرّوایة التی نقلت فی تفسیر (التبیان) و(مجمع البیان) فی ذیل هذه الآیة عن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنّه قال لأهل قبا: «ماذا تفعلون فی طهرکم، فإنّ الله تعالى قد أحسن علیکم الثناء؟» قالوا: نغسل أثر الغائط. (3)

وقد نقلت روایات اُخرى بهذا المضمون عن الإمام الباقر والصادق (علیهما السلام)، (4) لکن ـ کما قلنا سابقاً وأشرنا مراراً ـ مثل هذه الرّوایات لا تدل على انحصار مفهوم الآیة فی هذا المصداق، بل ـ وکما یشیر ظاهر إطلاق الآیة ـ أنّ للطهارة هنا معنى واسعاً یشمل کل أنواع التطهیر، سواء التطهیر الروحی من آثار الشرک والذنوب، أو التطهیر الجسمی من الأوساخ والنجاسات.

وفی الآیة الثّالثة من الآیات مقارنة بین فریقین وفئتین: المؤمنین الذین بنوا مساجد کمسجد قبا على أساس التقوى، والمنافقین الذین بنوه على أساس الکفر والنفاق والتفرقة والفساد. فهی تقول أوّلا: (أفمن أسّس بنیانه على تقوى من الله ورضوان خیر أم من أسّس بنیانه على شفا جرف هار فانهار به فی نار جهنّم ).

«بنیان» مصدر بمعنى اسم مفعول، ویعنی المبنى، و(شفا) بمعنى حافة الشیء وطرفه، و(جرف) بمعنى حافة النهر أو حافة البئر التی جرف الماء ما تحتها. و(هار) بمعنى الشخص أو البناء المتصدع المشرف على السقوط، أو هو فی حال السقوط.

إنّ التشبیه الوارد أعلاه یعطی صورة فی منتهى الوضوح عن عدم ثبات أعمال المنافقین وتزلزلها، وفی المقابل استحکام ودوام أعمال المؤمنین ونشاطاتهم وبرامجهم، فهو یشبه المؤمنین بمن أراد أن یبنی بناء، فإنّه ینتخب الأرض الجیدة القویة التی تتحمل البناء، ومختار من مواد البناء الأولیة ما کان جیداً.

أمّا المنافقون فإنّه یشبّههم بمن یبنی بیته على حافة النهر ـ ومثل هذه الأرض جوفاء ـ لأن جریان الماء قد نخرها، وبالتالی فهی عرضة للسقوط فی أی لحظة، وکذلک النفاق، فإنّ ظاهره حسن لکنّه عدیم المحتوى کالبنایة الجمیلة ذات الأساس النخر.

إنّ هذه البنایة یمکن أن تنهار فی أیّة لحظة، ومذهب أهل النفاق أیضاً یمکن أن یُظهر واقع أتباعه وباطنهم، وبالتالی فضیحتهم وخزیهم.

إنّ التقوى والسعی فی مرضاة الله تبارک وتعالى یعنی التعامل مع الواقع، والسیر وفقاً لقوانین الخلقة وهی بدون شک عامل البقاء والثبات.

أمّا النفاق فإنّه یعنی الإنفصال عن الواقع والإبتعاد عن قوانین الوجود، وهذا بلا شک هو عامل الزوال والفناء.

ومن هنا، فإنّ المنافقین یظلمون أنفسهم ویظلمون المجتمع أیضاً ولذلک فإنّ الآیة اختتمت بقوله: (والله لا یهدی القوم الظالمین ). وکما قلنا مراراً، فإنّ الهدایة الإلهیّة تعنی تهیئة المقدمات للوصول إلى الغایة، وهی تشمل ـ فقط ـ اُولئک الذین لدیهم الإستعداد لتقبل هذه الهدایة ویستحقونها، أمّا الظالمون الفاقدون لمثل هذا الإستعداد فسوف لا یشملهم هذا اللطف مطلقاً، لأنّ الله حکیم، ومشیئته وإرادته وفق حساب دقیق.

وفی آخر آیة إشارة إلى إصرار المنافقین وعنادهم، فهی تعبّر عن تعصبهم وإصرارهم فی أعمالهم، وعنادهم فی نفاقهم، وحیرتهم فی ظلمة کفرهم، فهم فی شک من بنیانهم الذی بنوه، أو فی النتیجة المرجوة منه، وسیبقون فی هذه الحال حتى موتهم: (لا یزال بنیانهم الذی بنوا ریبة فی قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم ).

إنّ هؤلاء یعیشون حالة دائمة من الحیرة والاضطراب، وإن مقر النفاق الذی أقاموه، والمسجد الضرار الذی بنوه، سیبقى عامل تردد ولجاجة فی أرواح هؤلاء، فبالرغم من أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) قد أحرق هذا البناء وهدمه، إلاّ أنّ أثره وأهدافه قد لا تزول من القلوب.

وتقول الآیة أخیراً: (والله علیم حکیم ) فإنّه تعالى إنّما أمر نبیّه (صلى الله علیه وآله) بهدم هذا البناء الذی یحمل صفة الحق ظاهراً، حتى تتبیّن نیّات السوء التی انطوى علیها هؤلاء، وتنکشف حقائقهم وبواطنهم وهذا الحکم الإلهی هو عین الحکمة، وحسب صلاح المجتمع الإسلامی، وقد صدر على هذا الأساس، لا أنّه حکم عجول صدر نتیجة انفعال أو فی لحظة غضب.


1. بالرغم من أنّ المفسّرین قد أبدوا وجهات نظر مختلفة من الناحیة الأدبیة حول ترکیب هذه الجملة، إلاّ أنّ الظاهر هو أنّ هذه الجملة معطوفة على الجمل السابقة التی وردت فی شأن المنافقین، وتقدیرها هکذا: (ومنهم الذین اتخذوا مسجداً...).
2. الکامل لابن الأثیر، ج2، ص 107; ووسائل الشیعة، ج 5، ص 285، ح 6562.
3. بحارالانوار، ج 21، ص 254; وفقه القرآن، ج 1، ص 67.
4. وسائل الشیعة، ج 1، ص 357; وبحارالانوار، ج 21، ص 255 و256.
سبب النّزول 1ـ درس کبیر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma