الأعراب القساة والمؤمنون:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة التّوبة / الآیة 97 ـ 99 بحوث

فی هذه الآیات الثّلاث ـ استمراراً للبحث المتقدم حول منافقی المدینة ـ حدیث وبحث حول وضع منافقی الأعراب ـ وهم سکان البوادی ـ وعلاماتهم وأفکارهم، وکذلک قد تحدثت حول المؤمنین الخلص منهم.

وربّما کان السبب فی تحذیر المسلمین من هؤلاء، هو أن لا یتصور المسلمون أنّ المنافقین هم ـ فقط ـ هؤلاء المتواجدون فی المدینة، بل إنّ المنافقین من الأعراب أشدّ وأقسى، وشواهد التاریخ الإسلامی تدل على أنّ المسلمین قد تعرضوا عدّة مرات لهجوم منافقی البادیة، ولعل الإنتصارات المتلاحقة لجیش الإسلام هی التی جعلت المسلمین فی غفلة عن خطر هؤلاء.

على کل حال، فالآیة الاُولى تقول: إنّ الأعراب، بحکم بعدهم عن التعلیم والتربیة، وعدم سماعهم الآیات الرّبانیة وکلام النّبی (صلى الله علیه وآله)، أشدّ کفراً ونفاقاً من مشابهیهم فی المدینة: (الأعراب أشدّ کفراً ونفاقاً ) ولهذا البعد والجهل فمن الطبیعی، بل الأولى أن یجهلوا الحدود والأحکام الإلهیّة التی نزلت على النّبی (صلى الله علیه وآله): (وأجدر ألاّ یعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ).

کلمة «الأعراب» من الکلمات التی تعطی معنى الجمع، ولا مفرد لها فی لغة العرب، وعلى ما قاله أئمّة اللغة ـ کمؤلف القاموس والصحاح وتاج العروس وآخرون ـ فإنّ هذه الکلمة تطلق على سکان البادیة فقط، ومختصة بهم، وإذا أرادوا اطلاقهم على شخص واحد فإنّهم یستعملون نفس هذه الکلمة ویلحقون بها یاء النسب، فیقولون: أعرابی. وعلى هذا فإنّ أعراب لیست جمع عرب کما یظن البعض.

أمّا «أجدر» فهی مأخوذة من الجدار، ومن ثمّ اُطلقت على کل شیء مرتفع ومناسب، ولهذا فإنّ (أجدر) تستعمل ـ عادةً ـ بمعنى الأنسب والألیق.

وتقول الآیة أخیراً: (والله علیم حکیم ) أی إنّه تعالى عندما یحکم على الأعراب بمثل هذا الحکم، فلأنّه یناسب الوضع الخاص لهم، لأنّ محیطهم یتصف بمثل هذه الصفات.

لکن ومن أجل أن لا یُتوهم بأنّ کل الأعراب أو سکان البوادی یتصفون بهذه الصفات، فقد أشارت الآیة التالیة إلى مجموعتین من الاعراب.

ففی البدایة تتحدث عن أنّ قسماً من هؤلاء الأعراب ـ لنفاقهم أو ضعف إیمانهم ـ عندما ینفقون شیئاً فی سبیل الله، فإنّهم یعتبرون ذلک ضرراً وخسارة لحقت بهم، لا أنّه توفیق ونصر وتجارة رابحة: (ومن الأعراب من یتّخذ ما ینفق مغرماً ) (1) .

ومن الصفات الاُخرى لهؤلاء أنّهم دائماً ینتظرون أن تحیط بکم المصائب والنوائب والمشاکل، ویرمیکم الدهر بسهمه: (ویتربّص بکم الدوائر ).

«الدوائر» جمع دائرة، ومعناها معروف، ولکن العرب یقولون للحادثة الصعبة والألیمة التی تحل بالإنسان: دائرة، وجمعها (دوائر).

فی الواقع أنّ هؤلاء أفراد ضیقو النظر، وبخلاء وحسودون، وبسبب بخلهم فإنّهم یرون کل إنفاق فی سبیل الله خسارة، وبسبب حسدهم فإنّهم ینتظرون دائماً ظهور المشاکل والمشاغل والمصائب عند الآخرین. ثمّ تقول الآیة ـ بعد ذلک ـ إنّ هؤلاء ینبغی أن لا یتربصوا بکم، وینتظروا حلول المصائب والدوائر بکم، لأنّها فی النهایة ستحل بهم فقط: (علیهم دائرة السوء ) (2) .

ثمّ تختم الآیة الحدیث بقولها: (والله سمیع علیم )، فهو تعالى یسمع کلامهم، ویعلم بنیاتهم ومکنون ضمائرهم.

أمّا الآیة الأخیرة فقد أشارت إلى الفئة الثّانیة من الأعراب، وهم المؤمنون المخلصون، إذ تقول: (ومن الأعراب من یؤمن بالله والیوم الآخر ) ولهذا السبب فإنّهم لا یعتبرون الإنفاق فی سبیل الله خسارة أبداً، بل وسیلة للتقرب إلى الله ودعاء الرّسول (صلى الله علیه وآله)، لإیمانهم بالجزاء الحسن والعطاء الجزیل الذی ینتظر المنفقین فی سبیل الله: (ویتّخذ ما ینفق قربات عند الله وصلوات الرّسول ).

هنا یؤیّد الله تعالى ویصدّق هذا النوع من التفکیر، ویؤکّد على أنّ هذا الإنفاق یقرب هؤلاء من الله قطعاً: (ألا إنّها قربة لهم ) ولهذا (سیدخلهم الله فی رحمته ) وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات، فإنّ الله سیغفرها لهم لإیمانهم وأعمالهم الحسنة، فـ (إن الله غفور رحیم ).

إنّ التأکیدات المتوالیة والمکررة التی تلاحظ فی هذه الآیة تجلب الإنتباه حقّاً، فإنّ (ألا) و(إن) یدل کلاهما على التأکید، ثمّ جملة (سیدخلهم الله فی رحمته ) خصوصاً مع ملاحظة (فی) التی تعنی الدخول والغوص فی الرحمة الإلهیّة، وبعد ذلک الجملة الأخیرة التی تبدأ بـ (إنَّ) وتذکر صفتین من صفات الرحمة وهما (غفور رحیم ) کل هذه التأکیدات تبیّن منتهى اللطف والرحمة الإلهیّة بهذه الفئة.

وربّما کان هذا الإهتمام بهؤلاء لأنّهم رغم حرمانهم من التعلیم والتربیة، وعدم الفهم الکافی لآیات الله وأحادیث النّبی (صلى الله علیه وآله)، فإنّهم قبلوا الإسلام وآمنوا به بکل وجودهم، ورغم قلّة إمکانیاتهم المالیة ـ التی یحتمها وضع البادیة ـ فإنّهم لم یمتنعوا عن البذل والإنفاق فی سبیل الله، ولذلک استحقوا کل تقدیر واحترام، وأکثر ممّا یستحقه سکان المدینة المتمکنون.

ویجب الالتفات إلى أنّ القرآن قد استعمل (علیهم دائرة السوء ) فی حق الأعراب المنافقین، التی تدل على إحاطة التعاسة وسوء العاقبة بهم، أمّا فی حق المؤمنین فقد ذکرت عبارة (فی رحمته ) لتبیّن إحاطة الرحمة الإلهیّة بهؤلاء، فقسم تحیط به الرحمة الإلهیة، والآخر تحیط به الدوائر والمصائب.


1. «مغرم» - کما ورد فی تفسیر مجمع البیان ـ مأخوذة من مادة «غرم» على وزن «جرم»، وهی فی الأصل بمعنى ملازمة الشیء، ولهذه المناسبة قیل للدائن والمدین اللذین لا یدع کل منهما صاحبه: غریم، وأیضاً قیل: غرامة، لنفس هذه المناسبة لأنّها تلازم الإنسان ولا تنقطع عنه إلاّ بأدائها. ویقال للعشق الشدید: غرام، لأنّه ینفذ إلى روح الإنسان بصورة لا یمکن تصور الإنفصال معها. ومغرم یساوی غرامة من حیث المعنى.
2. یستفاد من جملة (علیهم دائرة السوء ) الحصر، أی إنّ حوادث السوء ستنال هؤلاء فقط. واستفادة الحصر هذه من أن (علیهم) خبر مقدم على المبتدأ.
سورة التّوبة / الآیة 97 ـ 99 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma