1ـ لقد وردت فی سبب نزول الآیة الاُولى روایات متعددة لا تخلو من تعارض.
فیستفاد من بعض الرّوایات، أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) لما مات عبدالله بن اُبی ـ المنافق المشهور ـ صلى علیه، ووقف على قبره ودعا له، بل لَفَّه بقمیصه لیکون کفناً له، فنزلت الآیة ونهت النّبی (صلى الله علیه وآله) عن تکرار هذا الفعل. (1)
فی الوقت الذی یُفهم من روایات اُخرى أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) کان قد صمّم أن یصلی علیه، فنزل جبرئیل وتلا هذه الآیة، ومنعه من هذا العمل.
وتقول عدة روایات اُخرى أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) لم یصل علیه، ولم یکن عزم على هذا العمل، غایة ما فی الأمر أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) أرسل قمیصه لیکفن به لترغیب قبیلة عبدالله بن اُبی فی الإسلام، ولما سئل النّبی (صلى الله علیه وآله) عن سبب فعله هذا أجاب (صلى الله علیه وآله) بأنّ قمیصه سوف لن ینجیه من العذاب، لکنّه یأمل أن یسلم الکثیر بسبب هذا العمل، وبالفعل قد حدث هذا، فإنّ الکثیر من قبیلة الخزرج قد أسلموا بعد هذه الحادثة.
وبالنظر إلى اختلاف هذه الرّوایات اختلافاً کثیراً، فإنّا قد صرفنا النظر عن ذکرها کسبب للنزول، خصوصاً على قول بعض المفسّرین الکبار بأنّ وفاة عبدالله بن اُبی کانت سنة 9 هجریة، أمّا هذه الآیات فقد نزلت فی حدود السنة الثّامنة. (2)
غیر أنّ الذی لا یمکن إنکاره، أنّ الظاهر من أسلوب الآیة ونبرتها أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) کان یصلی على المنافقین، وکان یقف على قبورهم قبل نزول هذه الآیات، لأنّ هؤلاء کانوا مسلمین ظاهر (3) ، لکنّه امتنع من هذه الأعمال بعد نزول هذه الآیة.
2ـ وکذلک یستفاد من الآیة المذکورة جواز الوقوف على قبور المؤمنین والدعاء لهم والترحم علیهم، لأنّ النهی الوارد فی الآیة مختص بالمنافقین، وعلى هذا فإنّ هذه الآیة تعنی بمفهومها جواز زیارة قبور المؤمنین، أی: الوقوف على قبورهم والدعاء لهم. إلاّ أنّ الآیة قد سکتت عن مسألة إمکان التوسل بقبور هؤلاء المؤمنین، وطلب قضاء الحاجات ببرکتهم من الله تعالى، رغم جواز ذلک من وجهة نظر الرّوایات الإسلامیة.