بحوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
المنافقون وقلّة الاستیعاب: سورة التّوبة / الآیة 79 ـ 80

وهنا یجب الإنتباه إلى عدّة بحوث:

یمکن أن نرى بوضوح تام من خلال جملة (فأعقبهم نفاقاً فی قلوبهم ) أنّ النسبة والعلاقة بین الکثیر من الذنوب والصفات السیئة، بل وحتى بین الکفر والنفاق، هی نسبة وعلاقة العلة والمعلول، لأنّ الجملة الآنفة الذکر تبیّن وتقول بصراحة: إنّ سبب النفاق الذی نبت فی قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو بخلهم ونقضهم لعهودهم، وکذلک الذنوب والمخالفات الاُخرى التی إرتکبوها، ولهذا فإنّنا نقرأ فی بعض العبارات أنّ الکبائر فی بعض الأحیان تکون سبباً فی أن یموت الإنسان وهو غیر مؤمن، إذ ینسلخ منه روح الإیمان بسببها.

إنّ المقصود من (یوم یلقونه ) والذی یعود ضمیره إلى الله سبحانه وتعالى هو یوم القیامة، لأن تعبیر (لقاء ربّه ) وأمثاله فی القرآن یستعمل عادة فی موضوع القیامة، صحیح أنّ فترة العمل ـ التی هی الحیاة الدنیا ـ تنتهی بموت الإنسان، وبموته یُغلق ملف أعماله الصالحة والطالحة، إلاّ أنّ آثار تلک الأعمال تبقى تؤثر فی روح الإنسان إلى یوم القیامة.

وقد احتمل جماعة أنّ ضمیر (یلقونه) یعود إلى البخل، فیکون المعنى: حتى یلاقوا جزاء بخلهم وعقابه، ویحتمل کذلک أن یکون المراد من لقاء الله: لحظة الموت، إلاّ أنّ جمیع هذه خلاف ظاهر الآیة، والظاهر ما قلناه.

ولنا بحث فی أنّه ما هو المقصود من لقاء الله فی ذیل الآیة 64 من سورة البقرة.

ویُستفاد أیضاً ـ من الآیات أعلاه ـ أنّ نقض العهود والکذب من صفات المنافقین، فهؤلاء سحقوا جمیع العهود المؤکّدة مع ربّهم ولم یعیروها أیّة أهمیّة، فإنّهم یکذبون حتى على ربّهم، والحدیث المعروف المنقول عن النّبی (صلى الله علیه وآله) یؤکّد هذه الحقیقة، حیث یقول (صلى الله علیه وآله):

«للمنافق ثلاث علامات: إذا حدث کذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان» (1) .

ومن الملفت للنظر وجود هذه العلامات الثلاث مجتمعة فی القصّة المذکورة ـ قصّة ثعلبة ـ فإنّه کذب، وأخلف وعده، وخان أمانة الله، وهی الأموال التی رزقه الله إیّاها، وهی فی الحقیقة أمانة الله عنده.

وقد ورد الحدیث المذکور فی الکافی بصورة أشد تأکیداً عن الإمام الصادق (علیه السلام) عن النّبی (صلى الله علیه وآله) حیث یقول: «ثلاث من کن فیه کان منافقاً، وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، وإذا حدث کذب، وإذا وعد أخلف» (2) .

نذکر هنا أنّ من الممکن أن تصدر الذنوب المذکورة من المؤمنین، إلاّ أنّها نادرة، أمّا استمرار صدورها فهو علامة روح النفاق فی ذلک الشخص.

وهنا ملاحظة اُخرى ینبغی أن ننبه علیها، وهی أنّ ما قرأناه فی هذه الآیات لیس بحثاً تاریخیاً مختصاً بحقبة مضت من الزمان، بل هو بیان واقع أخلاقی واجتماعی یوجد فی کل عصر وزمان، وفی کل مجتمع ـ بدون استثناء ـ توجد نماذج کثیرة تمثل هذا الواقع.

إذا لاحظنا واقعنا الذی نعیشه ودققنا فیه ـ وربّما إذا نظرنا إلى أنفسنا ـ فسنکتشف نماذج من أعمال ثعلبة بن حاطب، وطریقة تفکیره فی صور متعددة وأشخاص مختلفین، فإنّ الکثیرین فی الأوضاع العادیة أو عند إعسارهم وفقرهم یکونون من المؤمنین المتحرقین على دینهم والثابتین على عهدهم حیث یحضرون فی الحلقات الدینیة، وینضوون تحت کل لواء یدعو إلى الإصلاح وإنقاذ المجتمع، ویضمون أصواتهم إلى کل مناد الحق والعدالة، ولا یألون جهداً فی سبیل أعمال الخیر، ویصرخون ویقفون بوجه کل فساد.

أمّا إذا فتحت أمامهم أبواب الدنیا ونالوا بعض العناوین والمراکز القیادیة أو تسلطوا على رقاب الناس، فستتغیر صورهم وسلوکهم، والأدهى من کل ذلک أن تتبدل ماهیتهم، وعندئذ سیخمد لهیب عشقهم لله، ویهدأ ذلک الهیجان والتحرق على دین الله، وتفتقدهم تلک الحلقات والجلسات الدینیة، فلایساهمون فی أیّة خطة إصلاحیة ولا یسعون من أجل ذلک الحق، ولا تثبت لهم قدم فی مواجهة الباطل.

هؤلاء وقبل أن یصلوا إلى مآربهم لم یکن لهم محل من الإعراب، أو أثر فی المجتمع، لذا سیعاهدون الله وعباده بألف عهد ومیثاق بأنّهم إن تمکنوا من الأمر، أو امتلأت أیادیهم من القدرات والأموال فسیفعلون کذا وکذا، ویتوسلون للوصول إلى أهدافهم بطرح آلاف الإشکالات والإنتقادات فی حق المتصدین ویتهمونهم بعدم معرفتهم بإدارة الاُمور، وعدم إحاطتهم بوظائفهم وواجباتهم، أمّا إذا وصلوا إلى ما یرومونه وتمکنوا من الأمر، فسینسون کل تلک الوعود والعهود ویتنکرون لها، وستتبخر کل تلک الإیرادات والإنتقادات وتذوب کما یذوب الجلید فی حرارة الصیف.

نعم، إنّ ضعف النفس هذا واحدة من العلامات البارزة والواضحة للمنافقین، وهل النفاق إلاّ کون صاحبه ذا وجهین، وبتعبیر آخر: هل هو إلاّ ازدواج الشخصیة؟ إنّ سیرة هکذا أفراد وتاریخهم نموذج للشخصیة المزدوجة، لأنّ الإنسان الاصیل ذا الشخصیة المتینة لا یکون مزدوج الشخصیة.

ولا شک أنّ للنفاق درجات مختلفة، کالإیمان تماماً، فالبعض قد ترسخت فیهم هذه الخصلة الخبیثة إلى درجة اقتلعت کل زهور الإیمان بالله من قلوبهم، ولم تبق لها أثراً، بالرغم من أنّهم ألصقوا أنفسهم بالمؤمنین وإدّعوا أنّهم منهم.

لکن البعض الآخر مع أنّهم یملکون إیماناً ضعیفاً، وهم مسلمون بالفعل، إلاّ أنّهم یرتکبون أعمالا تتفق مع سلوک المنافقین، وتفوح منها رائحة الإزدواجیة، فهؤلاء دیدنهم الکذب، إلاّ أنّ ظاهرهم الصدق والصلاح، ومثل هؤلاء یصدق علیهم أیضاً أنّهم منافقون وذوو وجهین.

ألیس الذی عرف بالأمانة لظاهره الصالح، واستطاع بذلک أن یکسب ثقة واطمئنان الناس فأودعوه أماناتهم، إلاّ أنّه یخونهم فی أماناتهم، هو فی واقع الحال مزدوج الشخصیة؟

وکذلک الذین یقطعون العهود والمواثیق، لکنّهم لا یفون بها مطلقاً، ألا یعتبر عملهم عمل المنافقین؟

إنّ من أکبر الأمراض الاجتماعیة، ومن أهم عوامل تخلف المجتمع وجود أمثال هولاء المنافقین فی المجتمعات البشریة ونحن نستطیع أن نحصی الکثیر منهم فی مجتمعاتنا الاسلامیة إذا کنّا واقعیین ولم نکذب على انفسنا. والعجب أنّنا رغم کل هذه العیوب والمخازی والبعد عن روح التعلیمات والقوانین الإسلامیة، فإننا نحمّل الإسلام تبعة تخلفنا عن الرکب الحضاری الأصیل!


1. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث; من لایحضره الفقیه، ج 4، ص 361.
2. سفینة البحار، ج 2، ص 607; واصول الکافی، ج 2، ص 290، ح 8 .
المنافقون وقلّة الاستیعاب: سورة التّوبة / الآیة 79 ـ 80
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma