هذه الآیات فی الحقیقة تضع إصبعها على صفة اُخرى من صفات المنافقین السیّئة، وهی أنّ هؤلاء إذا مسّهم البؤس والفقر والمسکنة عزفوا على وتر الإسلام بشکل لا یصدق معه أحد أنّ هؤلاء یمکن أن یکونوا یوماً من جملة المنافقین، بل ربّما ذمّوا ولاموا الذین یمتلکون الثروات والقدرات الواسعة على عدم استثمارها فی خدمة المحرومین ومساعدة المحتاجین!
إلاّ أنّ هؤلاء أنفسهم، إذا تحسّن وضعهم المادی فإنّهم سینسون کل عهودهم ومواثیقهم مع الله والناس، ویغرقون فی حبّ الدنیا، وربّما تغیّرت کل معالم شخصیاتهم، ویبدؤون بالتفکیر بصورة اُخرى وبمنظار مختلف تماماً، وهکذا یؤدّی ضعف النفس هذا إلى حبّ الدنیا والبخل وعدم الإنفاق وبالتالی یکرّس روح النفاق فیهم بشکل یوصد أمامهم أبواب الرجوع إلى الحق.
فالآیة الاُولى تتحدث عن بعض المنافقین الذین عاهدوا الله على البذل والعطاء لخدمة عباده إذا ما أعطاهم الله المال الوفیر (ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدّقنّ ولنکوننّ من الصالحین ).
إلاّ أنّهم یؤکّدون هذه الکلمات والوعود مادامت أیدیهم خالیة من الأموال (فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون ) غیر أنّ عملهم هذا ومخالفتهم للعهود التی قطعوها على أنفسهم بذرت روح النفاق فی قلوبهم وسیبقى إلى یوم القیامة متمکناً منهم (فأعقبهم نفاقاً فی قلوبهم إلى یوم یلقونه ) وإنّما استحقوا هذه العاقبة السیئة غیر المحمودة (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما کانوا یکذبون ).
وفی النهایة وبّخت الآیة هؤلاء النفر ولامتهم على النوایا السیئة التی یضمرونها، وعلى انحرافهم عن الصراط المستقیم، واستفهمت بأنّهم (ألم یعلموا أن الله یعلم سرّهم ونجواهم وأنّ الله علاّم الغیوب ).
