«عزیر» فی لغة العرب هو «عزرا» فی لغة الیهود، ولمّا کانت العرب تغیّر فی بعض الکلمات التی تردها من لغات أجنبیة وتجری على لسانها، کما هو الحال فی إظهار المحبّة خاصّة فتصغر الکلمة، فصغرت عزرا إلى عُزیر، کما بُدلت کلمة یسوع العبریة إلى عیسى فی العربیة، ویوحنا إلى یحیى. (1)
وعلى کان حال، فإن عزیراً ـ أو عزرا ـ له مکانة خاصّة فی تاریخ الیهود، حتى أنّ بعضهم زعم أنّه واضع حجر الأساس لاُمّة الیهود وبانی مجدهم، وفی الواقع فإنّه خدمةً کبرى لدینهم، لأنّ بخت نصر ملک بابل دمر الیهود تدمیراً فی واقعته المشهورة، وجعل مُدُنَهم، تحت سیطرة جنوده فأبادوها، وهدموا معابدهم، وأحرقوا توراتهم، وقتلوا رجالهم، وسبوا نساءهم، وأسروا أطفالهم، وجیء بهم إلى بابل فمکثوا هناک حوالی قرن.
ولما فتح کورش ملک فارس بابل جاءه عزرا، وکان من أکابر الیهود، فاستشفعه فی الیهود فشفّعه فیهم، فرجعوا إلى دیارهم وکتب لهم التّوراة ـ ممّا بقی فی ذهنه من أسلافه الیهود وما کانوا قد حدّثوا به ـ من جدید.
ولذلک فهم یحترمونه أیما احترام، ویعدّونه منقذهم ومحیی شریعتهم. (2)
وکان هذا الأمر سبباً أن تلقبه جماعة منهم بـ «ابن الله» غیر أنّه یستفاد من بعض الرّوایات ـ کما فی الاحتجاج للطبرسی ـ أنّهم أطلقوا هذا اللقب إحتراماً له لا على نحو الحقیقة.
ولکنّنا نقرأ فی الرّوایة ذاتها أنّ النّبی سألهم بما مؤدّاه (إذا کنتم تُجلّون عزیراً وتکرمونه لخدماته العظمى وتطلقون علیه هذا الاسم، فعلامَ لا تسمّون موسى وهو أعظم عندکم من عزیر بهذا الاسم؟ فلم یجدوا للمسألة جواباً وأطرقوا برؤوسهم) (3) .
ومهما یکن من أمر فهذه التسمیة کانت أکبر من موضوع الإجلال والإحترام فی أذهان جماعة منهم، وما هو مألوف عند العامّة أنّهم یحملون هذا المفهوم على حقیقته، ویزعمون أنّه ابن الله حقّاً، لأنّه خلصهم من الدمار والضیاع ورفع رؤوسهم بکتابة ا لتوراة من جدید.
وبالطبع فهذا الإعتقاد لم یکن سائداً عند جمیع الیهود، إلاّ أنّه یستفاد أنّ هذا التصّور أو الإعتقاد کان سائداً عند جماعة منهم، ولا سیما فی عصر النّبی محمّد (صلى الله علیه وآله)، والدلیل على ذلک أنّ أحداً من کتب التاریخ، لم یذکر بأنّهم عندما سمعوا الآیة آنفة الذکر احتجوا على النّبی أو أنکروا هذا القول «ولو کان لبان».
وممّا قلناه یمکن الإجابة على السؤال التّالی: أنّه لیس بین الیهود فی عصرنا الحاضر من یدعی أنّ عزیراً ابن الله ولا من یعتقد بهذا الإعتقاد، فعلام نسب القرآن هذا القول إلیهم؟!
وتوضیح ذلک، أنّه لا یلزم أن یکون لجمیع الیهود مثل هذا الإعتقاد، إذ یکفی هذا القدر المسلم به، وهو أنّه فی عصر نزول الآیات على النّبی محمّد (صلى الله علیه وآله) کان فی الیهود من یعتقد بهذا الإعتقاد، والدلیل على ذلک کما نوّهنا، هو أنّه لم ینکر أیّ منهم ذلک على النّبی والشیء الوحید الذی صدر منهم ـ وفقاً لبعض الرّوایات ـ أنّهم قالوا: إنّ هذا اللقب «ابن الله» إنّما هو لإحترام عزیر، وقد عجزوا عن الجواب لمّا سألهم (صلى الله علیه وآله) وأشکل علیهم: لم لا تجعلون هذا اللقب إذاً لنبیّکم موسى (علیه السلام)؟!
وعلى کل حال فمتى ما نسب قول أو إعتقاد إلى قوم ما، فلا یلزم أن یکون الجمیع قد اتفّقوا على ذلک، بل یکفی أن یکون فیهم جماعة ملحوظة تذهب إلى ذلک.
1. المراد من التصغیر عادةً هو بیان کون الشیء صغیراً فی قبال شیء آخر کبیر، مثل رجیل المصغر عن رجل، لکن للتصغیر أغراضاً بلاغیة منها إظهار المحبّة وغیرها، کما فی إظهار الرجل محبته لولده فیصغّر إسمه.
2. تفسیر المیزان، ج 9، ص 253; وتفسیر المنار، ج 10، ص 322.
3. تفسیر المیزان، ج 9، ص 243; تفسیر المنار، ج 10، ص 322.
