الأمر الذی لابدّ منه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة الأنفال / الآیة 42 ـ 44 سورة الأنفال / الآیة 45 ـ 47

یعود القرآن فی هذة الآیات الکریمة ـ ولمناسبة الکلام فی الآیات السابقة عن یوم الفرقان یوم معرکة بدر وإنتصار المسلمین المؤزر فی ذلک الموقف الخطیر ـ یعود لیعرب عن أجزاء من فصول تلک المعرکة، لیطلع المسلمون على أهمّیة ذلک النصر العظیم.

فتقول الآیة الاُولى من الآیات محل البحث: (إذ أنتم بالعدوة الدنیا وهم بالعدوة القصوى ).

«العُدوة» مأخوذة من «العدو» على زنة «السَّرْو» ومعناها فی الأصل التجاوز، ولکنّها تطلق على أطراف کل شیء، وحواشیه، لأنّها تتجاوز الحدّ الوسط إلى إحدى الجوانب، وجاءت هذه الکلمة فی هذه الآیة بهذا المعنى أی «الطرف، والجانب».

«والدنیا» مأخوذة من الدنّو، على وزن العلوّ وتعنی الأقرب، ویقابل هذا اللفظ الأقصى والقصوى.

وکان المسلمون فی الجانب الشمالی من میدان الحرب الذی هو أقرب إلى جهة المدینة، وکان الأعداء فی الجانب الجنوبی وهو الأبعد.

ویحتمل أن یکون المعنى هو أنّ المسلمین لإضطرارهم کانوا فی القسم الأسفل فی المیدان، وکان الأعداء فی القسم الأعلى منه وهو یعدّ میزة لهم.

ثمّ تعقّب الآیة قائلةً: (والرکب أسفلَ منکم ).

وکما رأینا من قَبلُ فإنّ أبا سفیان حین علم بتحّرک المسلمین غیّر مسیر قافلته إلى جهة اُخرى على جانب البحر الأحمر حتى صار قریباً من مکّة، ولو أنّ المسلمین لم یضلّوا أثر القافلة فلعلهم کانوا یتبعونها، ولا یوفّقون لمواجهة الأعداء ومنازلتهم فی معرکة بدر التی تحقق فیها النصر العظیم والفتح المبین.

وبغض النظر عن کل ذلک فإنّ عدد قوات المسلمین وإمکاناتهم کان أقلّ من قوات الأعداء من جمیع الوجوه، لهذا فإنّ الآیة الکریمة تقول: (ولو تواعدتم لاختلفتم فی المیعاد ).

لأنّ الکثیر منکم سیدرکون ضعفهم الظاهری قبال الأعداء فیتقاعسون عن قتالهم، ولکن الله جعلکم إزاء أمر مقدر، وکما تقول الآیة: (و لکن لیقضی الله أمراً کان مفعولا ).

ولیعرف الحق من الباطل فی ظلال ذلک النصر غیر المتوقع والمعجزة الباهرة و (لیهلک من هلک عن بیّنة ویحیى من حىّ عن بیّنة ).

والمراد من «الحیاة» و«الهلکة» هنا هو الهدایة والضلال، لأنّ یوم بدر الذی سُمّی یوم الفرقان تجلّى فیه الإمداد الإلهی لنصرة المسلمین، وثبت فیه أن لهؤلاء علاقة بالله وأنّ الحق معهم.

وتعقبّ الآیة قائلةً: (وإنّ الله لسمیع علیم ).

فقد سمع نداء استغاثاتکم، وکان مطلعاً على نیّاتکم، ولذلک أیّدکم بنصره على أعدائکم.

إنّ القرائن تدلّ عن أنّ بعض المسلمین لو کانوا یعرفون حجم قوّة أعدائهم لامتنعوا عن مواجهتهم، مع أنّ طائفة اُخرى من المسلمین کانوا مطیعین للنّبی (صلى الله علیه وآله) فی مواجهة جمیع الشدائد، لهذا فإنّ الله جعل الاُمور تسیر بشکل یلتقی فیه المسلمون ـ شاءوا أم أبوا ـ مع أعدائهم، فکانت المواجهة المصیریة.

وکان النّبی (صلى الله علیه وآله) قد رأى فی منامه من قبل أنّ قلّة من المشرکین تقاتل المسلمین، وکانت

هذه الرؤیا إشارة إلى النصر وبشارة به، فقد رواه (صلى الله علیه وآله) للمسلمین فازدادت العزائم فی الزحف نحو معرکة بدر.

وبالطبع فإنّ رؤیا النّبی (صلى الله علیه وآله) فی منامه کانت صحیحة، لأنّ قوّة الأعداء وعددهم بالرغم من کثرتهم الظاهریة، إلاّ أنّهم کانوا قلّة فی الباطن ضعفاء غیر قادرین على مواجهة المسلمین، ونحن نعرف أنّ الرؤیا ذات تعبیر وإشارة، وأنّ الرؤیا الصحیحة هی التی تکشف الوجه الباطنی للاُمور.

والآیة الثّانیة: من الآیات محل البحث تشیر إلى الحکمة من هذا الأمر، والنعمة التی أولاها سبحانه وتعالى للمسلمین عن هذا الطریق، فتقول: (إذ یریکهم الله فی منامک قلیلا ولو أراکهم کثیراً لفشلتم )ولهبطت معنویاتکم، ولم یقف الامر عند هذا الحدّ، بل لإدّى ذلک إلى التنازع واختلاف الکلمة (ولتنازعتم فی الأمر ولکنّ الله سلَّم ) وانقذ الأمر بواسطة الرؤیا التی أظهرت الوجه الباطنی لجیش الأعداء، ولأنّ الله یعرف باطنکم (إنّه علیم بذات الصدور ).

وتُذکّر الآیة الاُخرى بمرحلة من مراحل معرکة بدر تختلف عن سابقتها، ففی هذه المرحلة وفی ظل خطاب النّبی المؤثر فیهم والبشائر الرّبانیة، ورؤیة حوادث حال التهیؤ للقتال ـ کنزول المطر لرفع العَطش ولتکون الرمال الرخوة صالحة لساحة المعرکة ـ تجددت بذلک المعنویات وکبر الأمل بالنصر وقویت عزائم القلوب، حتى صاروا یرون الجیش المعادی وکأنّه صغیر ضعیف لا حول ولا قوّة له، فتقول الآیة المبارکة: (وإذ یریکموهم إذ التقیتم فی أعینکم قلیلا ).

أمّا العدوّ فإنّه لما کان یجهل معنویات المسلمین وظروفهم، فکان ینظر إلى ظاهرهم فیراهم قلیلا جدّاً، بل رآهم أقل ممّا هم علیه، إذ تقول الآیة فی الصدد (ویقلّلکم فی أعینهم ).

حتى روی عن أبی جهل أنّه قال: إنّما أصحاب محمّد أکلة جزور، (1) وفی ذلک کنایة عن منتهى القلّة. أو أنّهم سیحسمون الأمر معهم فی یوم واحد من الغداة حتى العشیة، وقد جاء فی الأخبار أنّهم کانوا ینحرون کل یوم عشرة من الإبل لطعامهم، لأنّ عدد جیش قریش کان حوالی ألف مقاتل.وعلى کل حال: فقد کان تأثیر هذین الامرین کبیراً فی نصر المسلمین، لأنّهم من جهة رأوا جیش العدو قلیلا فزال کل خوف ورعب من نفوسهم، ومن جهة اُخرى ظهر عدد المسلمین قلیلا فی عین العدو، کیلا یترددوا فی قتال المسلمین وینصرفوا عن الحرب التی أدت فی النهایة إلى هزیمتهم.

لهذا فإنّ الآیة تعقب على ما سبق قائلةً: (لیقضی الله أمراً کان مفعولا ).

فلم تنته هذه المعرکة وحدها وفق سنة الله فحسب، بل إنّ إرادته نافذة فی کل شیء (وإلى الله تُرجَع الإمور ).

وفی الآیة 13 من سورة آل عمران إشارة إلى المرحلة الثّالثة من قتال یوم بدر، إذ تشیر إلى أنّ الأعداء لمّا اشتعل أوار الحرب ورأوا الضربات الشدیدة لجیش الاسلام تنزل على رؤوسهم کالصواعق، أصابهم الذعر والخوف الشدید، فأحسوا عندئذ وکأنّ جیش الإسلام قد ازداد عدده وتضاعف أضعاف ما کان علیه، فانهارت معنویاتهم وأدّى هذا الأمر إلى هزیمتهم وتمزقهم.

وممّا ذکرناه آنفاً یتّضح أنّه لا یوجد أی تناقض، لا بین الآیات محل البحث، ولا بینها وبین الآیة 13 من سورة آل عمران، لإنّ کلاًّ من هذه الآیات تبیّن مرحلةً من مراحل المعرکة.

فالمرحلة الاُولى: هی ما قبل القتال، وهی ما ورد فیها عن رؤیا النّبی (صلى الله علیه وآله) فی منامه ورؤیته جیش المشرکین قلیلا.

والمرحلة الثّانیة: هی نزولهم فی أرض بدر ومعرفة بعض المسلمین بعَدَد الأعداء وعُدَدِه وخوف بعضهم وخشیته من قتالهم.

والمرحلة الثّالثة: هی حصول المواجهة المسلحة وما أنعمه الله علیهم، وما رأوه من مشاهد قللّت عدد أعدائهم فی أعینهم «فتأملوا بدقّة!».


1. تفسیر قرطبی، ذیل الآیات مورد البحث; تفسیر درّالمنثور، ج 3، ص 167.
سورة الأنفال / الآیة 42 ـ 44 سورة الأنفال / الآیة 45 ـ 47
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma