الإیمان ووضوح الرّؤیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة الأنفال / الآیة 29 سورة الأنفال / الآیة 30

تناولت الآیات السابقة أوامر حیاتیة تتضمّن السعادة المادیة والمعنویة للإنسان، لکن العمل بها غیر ممکن إلاّ فی ظلال التقوى، لذلک جاءت هذه الآیة المبارکة لتؤکّد أهمّیة التقوى وآثارها فی مصیر الإنسان، وقد بیّنت الآیة أربعة ثمار ونتائج للتقوى.

فقالت ابتداءاً: (یا أیّها الّذین آمنوا إن تتّقوا الله یجعل لکم فرقاناً... .

وکلمة «فرقان» صیغة مبالغة من مادة (فرق) وهی هنا بمعنى الشیء الذی یفصل بین الحق والباطل تماماً.

إنّ هذه الجملة الموجزة والکبیرة فی معناها قد بیّنت إحدى أهم المسائل المؤثره فی مصیر الإنسان، وهی أنّ درب الإنسان نحو النصر محفوف دائماً بالمصاعب والحفر فإذا لم یبصرها جیداً ویحسنُ معرفتها واتقاءها فسیسقط فیها لامحالة، فأهم مسألة فی هذا الطریق هی معرفة الحق والباطل، معرفة الحسن والقبیح، معرفة الصدیق والعدو، معرفة الفوائد والأضرار، معرفة عوامل السعادة والشقاء، فإذا استطاع الإنسان معرفة هذه الحقائق جیداً فسیسهل علیه الوصول إلى الهدف.

إنّ المشکلة التی تعترض الانسان غالباً هی خطأه فی تشخیص الباطل واختیاره على الحق، وإنتخاب العدوّ بدل الصدیق، وطریق الضلال بدل طریق الهدایة، وهنا یحتاج الإنسان إلى بصر وبصیرة قویّة، ووضوح رؤیة. إنّ هذه الآیة المبارکة تقول: إنّ هذه البصیرة ثمرة لشجرة التقوى. أمّا کیف تعطی هذه التقوى البصیرة للإنسان؟ فقد یکون الأمر

مبهماً لدى البعض، لکن قلیلا من الدقّة والتأمل کافیة لتوضیح العلاقة الوثیقة بین هذین الإثنین، ولإیضاح ذلک نقول:

أوّلا: إنّ قوّة عقل الإنسان تستطیع إدراک الحقائق بقدر کاف، ولکن ستائر من الحرص والطمع والشهوة وحبّ النفس والحسد، والحبّ المفرط للمال والأزواج والأولاد والجاه والمنصب کل ذلک یغدُوّ کالدخان الأسود أمام بصیرة العقل، أو کالغبار الغلیظ الذی یملأ الآفاق، وهنا لا یمکن للإنسان معرفة الحق والباطل فی أجواء مظلمة، أمّا إذا غسل تلک الغشاوة بماء التقوى وانقشع ذلک الدخان الأسود، عند ذاک تسهل علیه رؤیة نور الحق.

ثانیاً: أنّنا نعلم أنّ کل کمال فی أی مکان إنّما هو قبس من کمال الحق، وکلّما اقترب الإنسان من الله فإنّ نور الکمال المطلق سینعکس فی وجوده أکثر، وعلى ذلک فإنّ أی علم ومعرفة فهو نبع من علمه ومعرفته تعالى، وکلّما تقدّم الإنسان نحو اللّه تعالى فی ظلال التقوى واجتناب المعاصی، ذابت قطرة وجوده فی بحر وجود العظیم أکثر، وسیحصل على مقدار أکثر من العلم والمعرفة.

وبعبارة اُخرى فإنّ قلب الإنسان کالمرآة، ووجود الله کالشمس الساطعة على الوجود، فإذا تلوثت مرآة قلبه من الأهواء حتى اسودت، فسوف لا تعکس النور، فإذا تمّ جلاؤها بالتقوى وزال الدرن عنها، فإنّ تلک الشمس الوضاءة الساطعة ستنعکس فیها وتنیر کل مکان.

ولذلک فإنّنا نرى على مدى التاریخ بعض النساء والرجال المتّقین یملکون وضوحاً من الرؤیة لا یمکن بلوغه بوسائل العلم والمعرفة أبداً، فهم یرون الأسباب الخفیّة للکثیر من الحوادث التی تعصف بالمجتمع، ویرون عناصر الشر وأعداء الحق وإن حجبتهم آلاف الستائر الخادعة.

وهذا الأثر العجیب للتقوى فی معرفة الواقع، جاء ذکره فی الکثیر من الرّوایات والآیات الاُخرى، ففی سورة البقرة الآیة 282 تقول: (اتقوا الله ویعلّمکم الله )، وجاء فی الحدیث المعروف: «المؤمن ینظر بنور الله». (1)

وفی نهج البلاغة فی قصار الکلم، الکلمة 219: «أکثر مصارع العقول تحت بروق المطامع».

ثالثاً: بالتحلیل العقلی یمکن فهم العلاقة الوثیقة بین التقوى وإدراک الحقائق أیضاً، لأنّ المجتمعات التی تسیر فی دروب الفساد والرذیلة وأجهزة الإعلام فیها تطبل لذلک المسیر، والصحافة والرادیو والتلفزیون کلها تدعو للتلوث والانحراف وخدمة الفساد، فمن البدیهی أن یصعب على الناس تمییز الحق من الباطل، الجید من الردیء، ونتیجة الأمر، فإنّ إنعدام التقوى یکون سبباً لفقدان القدرة على هذه المعرفة أو سوء المعرفة.

ومثال آخر: فإنّ عائلة غیر متقیّة، یشبون صغارها فی محیط ملوث بالفساد والرّذیلة، فمن العسیر على هؤلاء فی المستقبل تمییز الجید من الردیء، وهکذا إهدار القوى والطاقات فی الذنوب یتسبب فی بقاء الناس على مستوىً دان من البصیرة والمعرفة ویعیشون التخلّف الثقافی والانحطاط فی التفکیر حتى وإن کانوا متقدمین فی الصناعة والحیاة المادیة.

وبناءً على ما تقدم فإنّنا نرى أنّ ادنى انحراف عن التقوى یسبب نوعاً من العمى وسوء المعرفة، لذلک نرى فی العالم الصناعی الیوم مجتمعات متقدمة جدّاً فی العلم والصناعة، ولکنّها فی حیاتها الیومیة مصابة بأمراض ومشاکل شدیدة تبعث على الإستغراب والتعجب، وهنا تتجلى عظمة ما قاله القرآن الکریم.

ونظراً إلى أنّ التقوى لا تنحصر بالتقوى فی العمل، بل تشمل التقوى فی الفکر والعقل، فإنّ هذه الحقیقة تتّضح بصورة أجلى. فالتقوى فی الفکر تعنی مواجهة التسیّب وعدم الإنضباط فی التفکیر، بمعنى أن نبحث فی دراساتنا وتحقیقاتنا عن أصح الأدلة وأوثق البراهین، وأن لا نلتزم بعقیدة دون التحقیق الکافی والدقة اللازمة.

والذین یراعون التقوى ویلتزمونها فی تفکیرهم سیبلغون النتائج الصحیحة أسرع بکثیر ممن لا یلتزم بها، کما أنّ الخلط والخطأ یکثر عند من لایتقی الله فی استدلالاته وأسلوب تفکیره.

وهناک أمر آخر یجب الإنتباه إلیه، لأنّ الکثیر من مفاهیمنا الإسلامیة قد تعرضت للتشویه بین المسلمین، وهو أنّ الکثیر من الناس یتصور أنّ الإنسان المتقی هو الذی یکثر من غسل بدنه ولباسه ویعتبر کل فرد وکل شیء نجساً ومشکوکاً فیه، وینزوی جانباً متجنباً الخوض فی الاُمور الاجتماعیة، ویسکت أمام کل واقعة، فهذه النظرات المغلوطة عن التقوى والمتقین فی الحقیقة إحدى عوامل انحطاط المجتمعات الإسلامیة، لأنّ هذه التقوى لا تنتج معرفة ولا وضوح رؤیة ولا تکون فرقاناً بین الحق والباطل.

وعلى کل حال، وبعد أن إتّضح أوّل ثواب للمتقین نعود لتفسیر بقیة الآیة وسائر الثمار الإربعة لها.

یقول القرآن الکریم: إنّه إضافة إلى معرفة الحق من الباطل فإنّ من آثار التقوى أن یغطی على ذنوبکم ویمحوا آثارها من وجودکم (ویکفّر عنکم سیّئاتکم ).

مضافاً إلى ذلک، فإنّه تعالى سیشملکم بمغفرته (ویغفرلکم ).

وثمار کثیرة اُخرى تنتظرکم لا یعلمها إلاّ الله: (والله ذو الفضل العظیم ). فهذه الآثار الأربعة هی ثمرات فی شجرة التقوى، ووجود روابط طبیعیة بین التقوى وقسم من هذه الآثار لا یمنع من نسبة کل ذلک إلى الله تبارک وتعالى، لأنّنا وکما قلنا مراراً فی هذا التّفسیر فإنّ أی موجود عندما تصدر من آثار فهی إنّما تحصل بمشیئة الله وقدرته، فیمکن نسبة تلک الآثار إلى الله عزّ وجلّ، وإلى ذلک الموجود أیضاً.

وأمّا الفرق بین (تکفیر السیئات) و(الغفران). فقد قال بعض المفسّرین بأنّ الاُولى إشارة إلى الحجب من الدنیا، والثّانیة إلى النجاة من الجزاء الأخروی، ویردُ احتمال آخر هنا وهو أن (تکفیر السیئات) تشیر للآثار النفسیة والاجتماعیة للذنوب والتی تزول بفعل التقوى، ولکن (الغفران) إشارة إلى مسألة العفو الإلهی والخلاص من الجزاء... .


1. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 23 ـ 25; اصول الکافی، ج 1، ص 218.
سورة الأنفال / الآیة 29 سورة الأنفال / الآیة 30
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma