من الاُمور التی کانت سائدة فی الجاهلیة والتی تکررت الإشارة إلیها فی القرآن التفاخر بالآباء والأجداد وإجلالهم إلى حدّ التقدیس الأعمى وإتباع أفکارهم وعاداتهم وتقالیدهم. ولیس هذا مقصوراً على الجاهلیة الاُولى، فهو موجود بین کثیر من الأقوام المعاصرة، ولعلّه أحد أسباب اشاعة الخرافات وانتقالها من جیل إلى جیل، وکان «الموت» یضفی هالة من القدسیة والإحترام والإجلال على الأسلاف.
لا شک أنّ روح الإعتراف بالجمیل ورعایة المبادىء الإنسانیة توجب علینا إحترام الماضین من آبائنا وأجدادنا، ولکن لا أن نعتبرهم معصومین عن کل خطأ ومصونین عن کل نقد وتجریح لأفکارهم وسلوکهم فنتّبع خرافاتهم ونقلّدهم فیها تقلیداً أعمى، لیس هذا فی الواقع سوى لون من ألوان الوثنیة والمنطق الجاهلی، إنّنا من الممکن أن نحترم أفکارهم وتقالیدهم المفیدة، ونحطّم فی الوقت نفسه عاداتهم غیر الصحیحة، خاصّة وأنّ الأجیال
الحدیثة أوسع علماً وأعمق معرفة من الأجیال السابقة بسبب مضی الزمن وتقدّم العلم والتجربة، وما من عقل رصین یجیز تقلید الماضین تقلیداً أعمى.
ومن العجیب أن نرى بعض العلماء وأساتذة الجامعة یعیشون هذا اللون من التقدیس الأعمى لعادات السلف، فیبلغ بهم التعصّب القومی إلى التمسک بعادات وتقالید ما أنزل الله بها من سلطان متّبعین بذلک منطق العرب فی جاهلیتهم الاُولى.