الأسئلة الفضولیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سبب النّزولسورة المائدة / الآیة 103 ـ 104

لاشک أنّ السؤال مفتاح المعرفة، ولذلک من قلّت أسئلته قلّت معرفته، وفی القرآن وفی الرّوایات الکثیر من التوکید على الناس أن یسألوا عمّا لا یعرفون، (1) ولکن لکلّ قاعدة استثناء، ولهذا المبدأ التربوی الأساس استثناءاته أیضاً، منها أنّ هناک - أحیاناً - بعض المسائل التی یکون إخفاؤها أفضل لحفظ النظام الاجتماعی ولمصلحة أفراد المجتمع، ففی أمثال هذه الحالات لا یکون الإلحاح فی السؤال عنها والسعی لکشف النقاب عن حقیقتها بعیداً عن الفضیلة فحسب، بل یکون مذموماً أیضاً، مثلا:

یرى معظم الأطبّاء ضرورة کتمان الأمراض الصعبة الشفاء والمخیفة عن المریض نفسه، وقد یخبرون أهله شریطة أن یلتزموا کتمان الأمر عن المریض، والسبب هو أنّ التجارب قد دلّت على أنّ المریض إذا عرف أنّ مرضه لا یشفى بسرعة انتابه الرعب والهلع وقد یؤخّر ذلک شفاءه إن لم یکن مرضه مهلکاً، فعلى المریض أن لا یلح فی القاء الأسئلة على طبیبه العطوف، لأنّ هذا الإلحاح قد یحرج الطبیب، فیصرّح للمریض بما لا ینبغی أن یصارحه به تخلّصاً من هذا الإصرار واللجاج.

کذلک الناس عموماً، فهم فی التعامل فیما بینهم یحتاجون إلى أن یحسن بعضهم الظن ببعض، فللحفاظ على هذا الرصید الهام، خیر لهم ألاّ یعرفوا خفایا الآخرین، إذ إنّ لکل امرىء نقاط ضعیفة، فانکشاف نقاط ضعف الناس یضرّ بالتعاون فیما بینهم فقد یکون امرؤ ذو شخصیة مؤثرة قد ولد فی عائلة واطئة ومنحطّة، وإذا انکشف هذا فقد تتزلزل آثاره الوجودیة فی المجتمع، لذلک ینبغی على الناس ألاّ یلحّوا فی السؤال والتفتیش فی هذا المجال.

کما أنّ الکثیر من الخطط والمناهج الاجتماعیة یلزمها الکتمان حتى یتمّ تنفیذها، فالإعلان عنها یعتبر ضربة تؤخّر سرعة إنجاز العمل.

هذه وأمثالها نماذج لما لا یصح فیه الإلحاح فی السؤال، وعلى القادة أن لا یفشوا أمثال هذه الأسرار ما لم یقعوا تحت ضغط شدید.

والقرآن فی هذه الآیة یشیر إلى الموضوع نفسه ویقول: (یا أیّها الذین آمنوا لا تسألوا عن أشیاء إن تبد لکم تسؤکم ).

ولکن الحاح بعض الناس بالسؤال من جهة، وعدم الإجابة على أسئلتهم من جهة اُخرى، قد یثیر الشکوک والریب عند الآخرین بحیث یؤدّی الأمر إلى مفاسد أکثر، لذلک تقول الآیة: (وإن تسألوا عنها حین ینزل القرآن تبد لکم ) فیشق علیکم الأمر.

أمّا قصر افشائها على وقت نزول القرآن، فذلک لأنّ تلک التساؤلات کانت متعلّقة بمسائل ینبغی أن تنزل أجوبتها عن طریق الوحی.

ثمّ لا تحسبوا الله غافلا عن ذکر بعض الاُمور إن سکت عنها، فقد (عفا الله عنها والله غفور حلیم ).

یقول علی (علیه السلام): «إنَّ الله افترض علیکم فرائض فلا تضیعوها، وحدّ لکم حدوداً فلا تعتدوها، ونهى عن أشیاء فلا تنتهکوها، وسکت لکم عن أشیاء ولم یدعها نسیاناً فلا تتکلفوها» (2).

سؤال: قد یسأل سائل: إذا کان إفشاء هذه الاُمور یتعارض مع مصلحة الناس، فلماذا یماط اللثام عنها على أثر الإلحاح؟

الجواب: السبب هو ما قلناه من قبل، فالقائد إذا لزم الصمت رغم الإلحاح بالسؤال، فقد تنجم عن ذلک مفاسد أخطر، ویثار سوء ظن یشوب أذهان الناس، مثل صمت الطبیب إزاء الحاح المریض فی السؤال عن مرضه، فإنّ ذلک یثیر شکوک المریض، وقد یحمله على الظن بأنّ الطبیب لم یشخّص مرضه بعد، فیهمل استعمال ما یصفه له من علاج، عندئذ لا یسع الطبیب إلاّ أن یفشی له سرّ مرضه، ولو سبب له ذلک بعض المشاکل.

الآیة التی بعدها تؤکّد هذه الحقیقة، وتبیّن أنّ أقواماً سابقین کانت لهم أسئلة کهذه، وبعد أن سمعوا أجوبتها خالفوها وعصوا: (قد سألها قوم من قبلکم ثمّ أصبحوا بها کافرین ).

وللمفسّرین أقوال مختلفة بشأن تلک الأقوام، منهم من ذهب إلى أنّ الأمر یخصّ تلامذة عیسى (علیه السلام) عندما طلبوا مائدة من السماء، فعندما تحقق لهم ما أرادوا عصوا، ویقول بعض: إنّها حکایة مطالبة النّبی صالح (علیه السلام) بمعجزة، ولکنّ الظاهر أنّ هذه الاحتمالات بعیدة عن الصواب، لأنّ الآیة تتحدّث عن «سؤال» عن مجهول یراد الکشف عنه، لا عن «طلب» شیء، ولعلّ استعمال کلمة «سؤال» فی کلا الحالین هو سبب هذا الخطأ.

قد تکون تلک الأقوام من بنی إسرائیل أمروا بذبح بقرة للتحقیق فی أمر جریمة (انظر شرح ذلک فی المجلد الأوّل من هذا التّفسیر) فراحوا یمطرون موسى بالأسئلة عن خصائص البقرة وممیزاتها ممّا لم یکن قد نزل بشأنها أىّ شیء، ولکنّهم بسؤالاتهم المتکررة التی لم تکن ضروریة أخذوا یشقّون على أنفسهم، بحیث إنّ العثور على تلک البقرة الموصوفة أصبح من الصعوبة بمکان وتحمّلوا الکثیر من النفقات فی سبیل ذلک، حتى کادوا أن ینصرفوا عن التنفیذ.

فی تفسیر قوله تعالى (وأصبحوا بها کافرین ) إحتمالان:

الأوّل: أنّ المقصود بالکفر هو العصیان، کما سبقت الإشارة إلیه.

والثّانی: هو أنّ الکفر قصد بمعناه المعروف، وذلک لأنّ سماع الإجابات المزعجة التی تثقل على السامع قد تدفع به إلى إنکار أصل الموضوع وصلاحیة المجیب، کأن یسمع مریض جواباً لا یروقه من طبیبه، فیؤدّی ردّ الفعل به إلى إنکار صلاحیة الطبیب واتهامه بعدم الفهم مثلا أو بالهرم ونسیان المعلومات.

فی ختام هذا البحث نجد لزاماً أن نکرر ما قلناه فی بدایته، وهو أنّ هذه الآیات لا تمنع أبداً القاء الأسئلة المنطقیة التربویة والبنّاءة، بل تتحدد بالأسئلة التی لا لزوم لها، وبالتعمّق فی اُمور لا ضرورة للتعمّق فیها والتی من الأفضل بل من اللازم ـ أحیاناً ـ بقاؤها فی طىّ الکتمان.


1. اصول الکافی، ج 1، ص 211 و212.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 429; ذیل الآیة مورد البحث.

 

سبب النّزولسورة المائدة / الآیة 103 ـ 104
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma