التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 64 سورة المائدة / الآیة 65 ـ 66

تبرز هذه الآیة واحداً من المصادیق الواضحة للأقوال الباطلة التی کان الیهود یتفوّهون بها، وقد تطرّقت الآیة السابقة إلیها ـ أیضاً ـ ولکن على نحو کلی.

ویتحدّث لنا التّأریخ عن فترة من الوقت کان الیهود فیها قد وصلوا إلى ذروة السلطة والقدرة، وکانوا یمارسون الحکم على قسم مهم من المعمورة، ویمکن الإستشهاد بحکم سلیمان وداود کمثال على حکم الدولة الیهودیة، وقد استمر حکم الیهود بعدهما بین رقی وانحطاط حتى ظهر الإسلام، فکان ایذاناً بأفول الدولة الیهودیة، وبالأخص فی الحجاز، إذ أدّى قتال النّبی (صلى الله علیه وآله) لیهود بنی النضیر وبنی قریظة ویهود خیبر إلى إضعاف سلطتهم بصورة نهائیة.

وفی ذلک الوضع کان البعض من الیهود حین یتذکّرون سلطتهم القویّة السابقة، کانوا یقولون - استهزاءً وسخریة ـ إنّ ید الله أصبحت مقیّدة بالسلاسل (والعیاذ بالله) وأنّه لم یعد یعطف على الیهود! ویقال: أنّ المتفوّه بهذا الکلام کان الفخاس بن عازوراء رئیس قبیلة بنی القینقاع، أو النباش بن قیس کما ذکر بعض المفسّرین.

وبما أنّ سائر أبناء الطائفة الیهودیة أظهروا الرضى عن أقوال کبار قومهم هؤلاء، لذلک جاء القرآن لینسب هذه الأقوال إلى جمیعهم، کما تقول الآیة: (قالت الیهود ید الله مغلولة ).

ویجب الإنتباه إلى أنّ کلمة (الید) تطلق فی اللغة العربیة على معان کثیرة ومنها (الید

العضویة) کما أنّ من معانیها (النعمة) و(القدرة) و(السلطة) و(الحکم)، وبدیهی أنّ المعنى الشائع لها هو الید العضویة.

ولمّا کان الإنسان ینجز أغلب أعماله المهمّة بیده، فقد أطلقت من باب الکنایة على معان اُخرى.

وتفیدنا الکثیر من الرّوایات الواردة عن أهل البیت (علیهم السلام) أنّ هذه الآیة تشیر إلى ما کان الیهود یعتقدون به حول القضاء والقدر والمصیر والإرادة، حیث کانوا یذهبون إلى أنّ الله قد عیّن کل شیء منذ بدء الخلیقة، وأنّ کلّ ما یجب أن یحصل قد حصل، وأنّ الله لا یستطیع من الناحیة العملیة إیجاد تغییر فی ذلک (1).

وبدیهی أنّ تتمة الآیة التی تتضمّن عبارة (بل یداه مبسوطتان ) ـ کما سیأتی شرحه ـ تؤیّد المعنى الأوّل، کما یمکن أن یقترن المعنى الثّانی بالمعنى الأوّل فی مسیر واحد، لأنّ الیهود حین أفل نجم سلطانهم، کانوا یعتقدون أنّ هذا الأفول هو مصیرهم المقدّر، وأنّ ید الله مقیّدة لا تستطیع فعل شیء أمام هذا المصیر.

والله تعالى یرد على هؤلاء توبیخاً وذمّاً لهم ولمعتقدهم هذا بقوله: (غُلّت أیدیهم ولعنوا بما قالوا ) ثمّ لکی یبطل هذه العقیدة الفاسدة یقول سبحانه وتعالى (بل یداه مبسوطتان ینفق کیف یشاء ) فلا إجبار فی عمل الله کما أنّه لیس محکوماً بالجبر الطبیعی ولا الجبر التّأریخی، بل إنّ إرادته فوق کل شیء وتعمل فی کلّ شیء.

والملفت للنظر هنا أنّ الیهود ذکروا الید بصیغة المفرد کما جاء فی الآیة موضع البحث، لکن الله تعالى من خلال ردّه علیهم قد ثنّى کلمة الید فقال: (بل یداه مبسوطتان ) وهذا بالإضافة إلى کونه تأکیداً للموضوع، هو کنایة لطیفة تظهر عظمة جود الله وعفوه، وذلک لأنّ الکرماء جدّاً یهبون ما یشاوؤن للغیر بیدین مبسوطتین، أضف إلى ذلک أنّ ذکر الیدین کنایة عن القدرة الکاملة، أو ربّما یکون إشارة إلى النعم المادیة والمعنویة، أو الدنیویة والاُخرویة.

ثمّ تشیر الآیة إلى أنّ آیات الله التی تفضح أقوال ومعتقدات هؤلاء تجعلهم یوغلون أکثر فی صلفهم وعنادهم ویتمادون فی طغیانهم وکفرهم بدلا من تأثیرها الإیجابی فی ردعهم عن السیر فی نهجهم الخاطیء حیث تقول الآیة الکریمة: (ولیزیدن کثیراً منهم ما أنزل إلیک من ربک طغیاناً وکفراً ).

بعد ذلک تؤکّد الآیة على أنّ صلف هؤلاء وطغیانهم وکفرهم سیجر علیهم الوبال، فینالهم من الله عذاب شدید فی هذه الدنیا، من خلال تفشّی العداء والحقد فیما بینهم حتى یوم القیامة، فتقول الآیة الکریمة: (وألقینا بینهم العدواة والبغضاء إلى یوم القیامة ).

وقد اختلف المفسّرون فی معنى عبارة (العداوة والبغضاء ) الواردة فی هذه الآیة، لکنّنا لو تغاضینا عن الوضع الاستثنائی غیر الدائم الذی یتمتع به الیهود فی الوقت الحاضر، ونظرنا إلى تاریخ حیاتهم المقترن بالتشتت والتشرّد، لثبت لدینا أنّ هناک عامل واحد لهذا الوضع التّأریخی الخاص لهؤلاء، وهو انعدام الإتحاد والإخلاص فیما بینهم على الصعید العالمی، فلو کان هؤلاء یتمتعون بالوحدة والصدق فیما بینهم، لما عانوا طیلة تاریخ حیاتهم ذلک التشرّد والضیاع والتشتت والتعاسة.

وقد شرحنا قضیة العداوة والبغضاء الدائمة بین أهل الکتاب بشیء من التفصیل عند تفسیر الآیة 14 من نفس هذه السورة.

وتشیر الآیة ـ فی الختام ـ إلى المساعی والجهود التی کان یبذلها الیهود لتأجیج نیران الحروب، وعنایة الله ولطفه بالمسلمین فی انقاذهم من تلک النیران المدمرة الماحقة، فتقول (کلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ).

وتعتبر هذه الظاهرة إحدى معاجز حیاة النّبی الأکرم محمّد (صلى الله علیه وآله)، لأنّ الیهود کانوا الأقوى بین أهل الحجاز والأعرف بمسائل الحرب، بالإضافة إلى ما کانوا یمتلکون من قلاع حصینة وخنادق منیعة، ناهیک عن قدرتهم المالیة الکبیرة التی کانت لهم عوناً فی کل صراع بحیث إنّ قریشاً کانوا یستمدون العون منهم، وکان الأوس والخزرج یسعى کل منهما إلى التحالف معهم وکسب صداقتهم ونیل العون منهم فی المجال العسکری، لکنّهم فقدوا فجأة قدرتهم المتفوّقة ـ هذه ـ وطویت صفحة جبروتهم دفعة واحدة، بشکل لم یکن متوقعاً لدیهم، فاضطر یهود بنی النضیر وبنی قریظة وبنی القینقاع إلى ترک دیارهم، کما استسلم نزلاء قلاع خیبر الحصینة وسکّان فدک من الیهود خاضعین للمسلمین، وحتى اُولئک الذین کانوا یقطنون فی فیافی الحجاز منهم اضطروا إلى الخضوع أمام عظمة الإسلام، فهم بالإضافة إلى عجزهم عن نصرة المشرکین اضطروا إلى ترک میدان النزال والصراع.

ثمّ تبیّن الآیة ـ أیضاً ـ أنّ هؤلاء لا یکفّون عن نثر بذور الفتنة والفساد فی الأرض فتقول: (ویسعون فی الأرض فساداً ) وتؤکّد أیضاً قائلة: (والله لا یحبّ المفسدین ).

ویستدلّ من هذا على أنّ أسلوب المواجهة القرآنی للیهود لم یکن یترکّز على أساس عنصری مطلقاً، بل أنّ المعیار الذی استخدمه القرآن فی توجیه النقد إلیهم، هو معیار الأعمال التی یمکن أن تصدر من أی جنس وعنصر أو طائفة، وسنلاحظ فی الآیات القادمة أنّ القرآن على الرغم من کل ما صدر من هؤلاء، قد ترک باب التوبة مفتوحاً أمامهم.


1. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 649; وتفسیر البرهان، ج 1، ص 486.

 

سورة المائدة / الآیة 64 سورة المائدة / الآیة 65 ـ 66
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma