التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 61 ـ 63 سورة المائدة / الآیة 64

الآیة الاُولى من هذه الآیات الثلاث ـ واستکمالا للبحث الذی تناولته الآیات السابقة حول المنافقین ـ تکشف عن ظاهرة الإزدواجیة النفاقیة عند هؤلاء، وتنبّه المسلمین إلى أنّ المنافقین حین یأتونهم یتظاهرون بالإیمان وقلبهم یغمره الکفر، ویخرجون من عندهم المسلمین ولا یزال الکفر یملأ قلوبهم، حیث لا یترک منطق المسلمین واستدلالهم وکلامهم فی نفوس هؤلاء المنافقین أىّ أثر یذکر، تقول الآیة الکریمة: (وإذا جاؤوکم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالکفر وهم قد خرجوا به ) ولذلک یجب على المسلمین أن لا ینخدعوا بهؤلاء الذین یتظاهرون بالحقّ والإیمان، ویبدون القبول لأقوال المسلمین ریاء وکذباً.

وتؤکّد الآیة أنّ المنافقین مهما تسترّوا على نفاقهم، فإنّ الله یعلم ما یکتمون. (واللّه اعلم بما کانوا یکتمون ).

ثمّ تبیّن الآیة الاُخرى علائم من نوع آخر للمنافقین، فتشیر إلى أنّ کثیراً من هؤلاء فی انتهاجهم طریق العصیان والظلم وأکل المال الحرام، یتسابقون بعضهم مع بعضهم الآخر تقول الآیة: (وترى کثیراً منهم یسارعون فی الإثم والعدوان وأکلهم السحت ) (1) أی إنّ هؤلاء أمّا کلمة «إثم» فقد شرحنا معانیها فی ذیل الآیة 219 من سورة البقرة.

یسرعون الخطى فی طریق المعاصی والظلم، وکأنّهم یسعون إلى أهداف تصنع لهم الفخر والمجد، ویتسابقون فیما بینهم فی هذا الطریق دون خجل أو حیاء.

وتجدر الإشارة ـ هنا ـ إلى أنّ کلمة «إثم» قد وردت بمعنى (الکفر) کما وردت لتعنی جمیع أنواع الذنوب أیضاً، وبما أنّها اقترنت فی هذه الآیة بکلمة (العدوان) قال بعض المفسّرین: أنّها تعنی الذنوب التی تضرّ صاحبها فقط، على عکس العدوان الذی یتعدّى صاحبه إلى الآخرین، کما یحتمل أن یکون مجیء کلمة (العدوان) بعد کلمة (الإثم) فی هذه الآیة، من باب ما یصطلح علیه بذکر العام قبل الخاص، وأنّ مجیء کلمة «السحت» بعدهما هو من قبیل ذکر الأخص.

وعلیه فالقرآن قد ذمّ المنافقین أوّلا لکل ذنب اقترفوه، ثمّ خصص ذنبین کبیرین لما فیهما من خطر، وهما الظلم وأکل الأموال المحرمة، سواء کانت ربا أم رشوة أم غیر ذلک.

وخلاصة القول أنّ القرآن الکریم قد ذمّ هذه الجماعة من المنافقین من أهل الکتاب، لوقاحتهم وصلفهم وتعنّتهم فی إرتکاب أنواع الآثام وبالأخص الظلم وأکل المال الحرام، ولکی یؤکّد القرآن قبح هذه الأعمال، قالت الآیة: (لبئس ما کانوا یعملون ).

وتدل عبارة (کانوا یعملون ) على أنّ هذه الذنوب لم تکن تصدر عن هؤلاء صدفة، بل کانوا یمارسونها دائماً مع سبق اصرار.

بعد ذلک تحمل الآیة الثالثة على علمائهم الذین أیّدوا قومهم على إرتکاب المعاصی بسکوتهم، فتقول: (لولا ینهاهم الرّبانیون والأحبار عن قولهم الإثم وأکلهم السحت ).

وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ کلمة (ربّانیون) هی صیغة جمع لکلمة (ربّانی) المشتقة من کلمة (رب) وتعنی العالم أو المفکّر الذی یدعو الناس إلى الله، لکنّها قد اُطلقت فی کثیر من الحالات على علماء المسیحیین، أی رجال الدین المسیحی.

أمّا کلمة (أحبار) فهی صیغة جمع لکلمة (حبر) وهی تعنی العلماء الذین یخلفون أثاراً حسنة فی المجتمع، لکنّها اُطلقت فی موارد کثیرة على رجال الدین الیهود.

أمّا خلّو هذه الآیة من کلمة (العدوان) التی وردت فی الآیة قبلها، فقد استدل بعضهم من ذلک على أنّ کلمة (الإثم) الواردة هنا تشمل جمیع المعانی التی تدخل فی إطار هذه الکلمة ومن ضمنها (العدوان).

لقد وردت فی هذه الآیة عبارة (قولهم الإثم ) التی تختلف عمّا ورد فی الآیة السابقة،

ولعلّ هذه إشارة إلى أنّ العلماء مکلّفون بردع الناس عن النطق بما یشوبه الذنب من قول، کما هم مکلّفون بمنع الناس عن إرتکاب العمل السیء، ولربّما تکون کلمة (قول) الواردة هنا بمعنى (العقیدة) أی إنّ العلماء الذین یهدفون إلى اصلاح أىّ مجتمع فاسد، علیهم أوّلا أن یصلحوا أو یغیّروا المعتقدات الفاسدة التی تشیع فی هذا المجتمع، فما لم یحصل التغییر الفکری لا یمکن توقّع حصول إصلاحات جذریّة فی الجوانب العملیة، وبهذه الصورة تبیّن الآیة للعلماء أنّ الثورة الفکریة هی الأساس والمنطلق لکلّ إصلاح یراد تحقیقه فی کل مجتمع فاسد.

وفی الختام، یمارس القرآن الکریم نفس أسلوب الذم الذی إتّبعه مع أهل المعاصی الحقیقیین، فیذمّ العلماء الساکتین الصامتین التارکین للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ویقبّح صمتهم هذا، کما تقول الآیة: (ولبئس ما کانوا یصنعون ).

وهکذا تبیّن أنّ مصیر الذین یتخلّون عن مسؤولیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر العظیمة - وخاصّة إن کانوا من العلماء - یکون کمصیر أصحاب المعاصی، وهؤلاء فی الحقیقة شرکاء فی الذنب مع العاصین.

ونقل عن ابن عباس المفسّر المعروف قوله: بأنّ هذه الآیة أعنف آیة وبّخت العلماء المتجاهلین لمسؤولیاتهم الصامتین عن المعاصی.

وبدیهی أنّ هذا الحکم لا ینحصر فی علماء الیهود والنصاری، بل یشمل کل العلماء مهما کانت دیاناتهم إن هم سکتوا وصمتوا أمام تلوّث مجتمعاتهم بالذنوب وتسابق الناس فی الظلم والفساد، ذلک لأنّ حکم الله واحد بالنسبة لجمیع البشر.

وورد عن أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) فی إحدى خطبه، أنّ سبب هلاک الأقوام السابقة هو إرتکابهم للمعاصی وسکوت علمائهم علیهم وامتناعهم عن النهی عن المنکر فکان ینزل علیهم ـ لهذا السبب ـ البلاء والعذاب من الله، وأنّ على الناس أن یأمروا بالمعروف وینهوا عن المنکر لکی لا یتورّطوا بمصیر اُولئک الأقوام (2).

کما ورد بنفس هذا المضمون کلام للإمام علی (علیه السلام) فی (نهج البلاغة) فی آخر خطبته القاصعة (الخطبة 192) قوله (علیه السلام): «فإنّ الله سبحانه لم یلعن القرن الماضی بین أیدیکم إلاّ لترکهم الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فلعن السفهاء لرکوب المعاصی والحلماء لترک التناهی...».

ویلفت الإنتباه هنا أیضاً أنّ الآیة السابقة حین کانت تتحدّث عن سواد الناس جاءت بعبارة (یعملون) بینما حین صار الحدیث فی هذه الآیة عن العلماء جاءت بعبارة (یصنعون) والصنع هو کل عمل استخدمت فیه الدقّة والمهارة، بینما العمل یطلق على جمیع الأفعال حتى لو کانت خالیة من الدقّة، هکذا فإنّ هذه العبارة (یصنعون) تتضمّن بحدّ ذاتها ذمّاً أکبر، وذلک لأنّ سواد الناس إن إرتکبوا ذنباً یکون ارتکابهم هذا ـ غالباً ـ بسبب جهلهم، بینما العالم الذی لا یؤدّی واجبه فهو یرتکب إثماً عن درایة وعلم وتفکیر، ولهذا یکون عقابه أشد وأعنف من عقاب الجاهل.


1. لقد بیّنا معنى «السحت» فی تفسیر الآیة 42 من هذه السورة، وشرحنا معنى «یسارعون» فی تفسیر الآیة 41 من هذه السورة أیضاً، فی هذا الجزء
2. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 649; واصول الکافی، ج 5، ص 57.

 

سورة المائدة / الآیة 61 ـ 63 سورة المائدة / الآیة 64
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma