إنّ لکل اُمّة ـ فی أىّ عصر أو زمان کانت ـ شعار خاصّ تنادی به أفرادها وتستحثّ به هممهم للقیام بواجباتهم الفردیة والاجتماعیة، ویشاهد هذا الأمر فی عالمنا الحاضر بصورة أوسع.
فالمسیحیون ینادون قومهم ویدعونهم لحضور الصّلاة فی الکنائس بدق الناقوس وهذه هی طریقتهم وشعارهم سابقاً وحاضراً.
والإسلام جاء بالأذان شعاراً لدعوة المسلمین، حیث یعتبر هذا الشعار أکثر تأثیراً وجاذبیة فی نفوس الناس قیاساً بشعارات الدیانات والاُمم الاُخرى، فقد ذکر صاحب تفسیر (المنار) أنّ بعض المسیحیین المتطرّفین حین یستمعون إلى أذان المسلمین لا یجدون بدّأ من أن یعترفوا بتأثیره المعنوی العظیم فی نفوس سامعیه، وینقل صاحب المنار ـ أیضاً ـ أنّه شوهد فی إحدى مدن مصر جماعة من النصارى کانوا قد اجتمعوا أثناء أذان المسلمین للإستماع إلى هذا اللحن السماوی.
فأىّ شعار أقرب إلى الذوق وآنس إلى الأسماع من شعار یبدأ بذکر اسم الله ویشهد بتوحیده ووحدانیته وبنبوة رسول الإسلام (صلى الله علیه وآله)، ویدعو إلى الفلاح والعمل الصالح، وینتهی ـ کذلک ـ بذکر الله!! فبدایته اسم «الله» وختامه اسم (الله) فی جمل موزونة متناغمة، ذات عبارات قصیرة واضحة المعنى وذات محتوى تربوی بنّاء.
ولذلک أکّدت الرّوایات الإسلامیة کثیراً على ضرورة أداء الأذان، فقد ورد عن النّبی (صلى الله علیه وآله) حدیث معروف فی هذا المجال، أنّه قال: «المؤذنون أطول النّاس أعناقاً یوم القیامة» (1)وهذا العلو هو نفس علو منزلة القیادة التی تدعو الناس إلى الله وإلى عبادة کالصّلاة.
إنّ صوت الأذان الذی ینطلق فی أوقات الصّلاة من مآذن المدن الإسلامیة بمثابة نداء الحریة والنسیم الذی یهب الحیاة لروح الاستقلال والمجد، ویدغدغ آذان المسلمین الأبرار ویثیر الرعب والخوف فی نفوس الأعداء الحاقدین، ویعتبر رمزاً من رموز بقاء الإسلام، والدلیل على هذا الأمر اعتراف أحد رجالات انجلترا المعروفین الذی قال أمام جمع من المسیحیین: مادام اسم النّبی محمّد (صلى الله علیه وآله) یرفع على المآذن، وما دامت الکعبة باقیة ومادام القرآن یهدی ویوجّه المسلمین، فلا یمکن أن تترسخ قواعد سیاسة الإنجلیز فی الأراضی الإسلامیة (2).
وبالرّغم من ذلک فانّ بعض المسلمین البؤساء أزاحوا مؤخّراً هذا الشعار الإسلامی العظیم ـ الذی هو سند ومستمسک حیّ على صمود ومقاومة دینهم وثقافتهم على مرّ العصور ـ من إذاعاتهم ووضعوا مکانه برامج رخیصة، نسأل الله أن یهدی هؤلاء للعودة إلى صفوف المسلمین.
ومن الطبیعی أنّ الأذان ـ لفحواه ومحتواه الجمیل البدیع ـ یحتاج أدائه إلى صوت مقبول، لکی لا یشوّه الأداء غیر المستساغ هذا المحتوى الجمیل الجذّاب.
1. الوسائل، ج 5، ص 376، باب 2، ح 21.
2. صاحب هذا القول «کلودستون» الذی یعتبر من السیاسیین المتفوّقین فی عصره.
