یحذّر القرآن فی الآیة المؤمنین من اتّخاذ أصدقاء لهم من بین المنافقین والأعداء، إلاّ أنّه لأجل استثارة عواطف المؤمنین واستقطاب انتباهم إلى فلسفة هذا الحکم خاطبهم بهذا الاُسلوب، کما تقول الآیة: (یا أیّها الذین آمنوا لا تتخذوا الذین اتخذوا دینکم هزواً ولعباً من الذین أوتوا الکتاب من قبلکم والکفار أولیاء ).
ولتأکید التحذیر تقول الآیة فی الختام: (واتقوا الله إن کنتم مؤمنین ) بمعنى أنّ التودد مع الأعداء والمنافقین لا یتناسب والتقوى والإیمان أبداً.
«الهزو» هو الکلام المصحوب بحرکات تصوّر السخریة، ویستخدم للإستخفاف والإستهانة بشیء أو شخص معیّن، وفسّر «الراغب» فی کتابه (المفردات) الهزو بأنّه یقال لفعل المزاح والإستخفاف الذی یصدر بشأن شخص فی غیابه، کما یطلق فی حالات نادرة على المزاح أو الإستخفاف الذی یحصل بشخص معیّن فی حضوره.
أمّا «اللعب» فهو الذی یصدر عبثاً وبدون هدف صحیح، أو خالیاً من أىّ هدف، وسمّیت بعض أفعال الصبیان لعباً لنفس السبب.
والآیة الثّانیة تتابع البحث فی النهی عن التودد إلى المنافقین وجماعة من أهل الکتاب الذین کانوا یستهزؤون بأحکام الإسلام، وتشیر إلى واحد من ممارساتهم الإستهزائیة دلیلا وشاهداً على هذا الأمر، فتقول: (و إذا نادیتم إلى الصّلاة اتّخذوها هزواً ولعباً ) (1).
بعد ذلک تبیّن الآیة الکریمة دوافع هذا الإستهزاء، فتذکر أنّ هذه الجماعة إنّما تفعل ذلک لجهلها وابتعادها عن الحقائق، فتقول: (ذلک بأنّهم قوم لا یعقلون ).