التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سبب النّزولالإعتماد على الغرباء

لقد حذّرت الآیات الثلاث مورد البحث المسلمین ـ بشدّة ـ من الدخول فی أحلاف مع الیهود والنصارى، فالآیة الاُولى منها تمنع المسلمین من التحالف مع الیهود والنصارى أو الإعتماد علیهم (أی إنّ الإیمان بالله یوجب عدم التحالف مع هؤلاء إن کان ذلک لأغراض ومصالح مادیة) حیث تقول الآیة: (یا أیّها الذین آمنوا لا تتخذوا الیهود والنصارى أولیاء ).

وکلمة «أولیاء» صیغة جمع من «ولی» وهی مشتقة من مصدر «الولایة» وهی بمعنى التقارب الوثیق بین شیئین، وقد وردت بمعنى «الصداقة» و«التحالف» و«الإشراف».

لکن بالنظر إلى سبب النّزول والقرائن الاُخرى الموجودة، فإنّ المراد لیس منع المسلمین من اقامة أىّ علاقات تجاریة واجتماعیة مع الیهود والنصارى، بل المقصود هو منع المسلمین من التحالف مع هؤلاء أو الإعتماد علیهم فی مواجهة الأعداء.

وکانت قضیة التحالف رائجة فی ذلک العصر بین العرب، وکان یطلق على ذلک «الولاء».

والملفت للنظر فی هذه الآیة أنّها لم تعتمد تسمیة «أهل الکتاب» لدى تحدّثها عن أتباع الدیانتین السماویتین المعروفتین، بل استخدمت کلمتی «الیهود والنّصارى» وربّما یکون هذا إشارة إلى أنّ الیهود والنصارى لو کانوا یعملون بکتابیهم السماویین، لکان أتباع هذین الدینین خیر حلیفین للمسلمین، لکنّهم اتّحدوا معاً لا بأمر من کتابیهم بل لأغراض سیاسیة وتکتّلات عنصریة وأمثال ذلک.

بعد ذلک تبیّن الآیة سبب هذا النهی فی جملة قصیرة، وتقول بأنّ هاتین الطائفتین إنّما هما أصدقاء وحلفاء أشباههما من الیهود والنصارى حیث تقول: (بعضهم أولیاء بعض ) أی إنّهما یهتّمان بمصالحهما ومصالح أصدقائهما فقط، ولا یعیران اهتماماً لمصالح المسلمین، ولذلک فإنّ أىّ مسلم یقیم صداقة أو حلفاً مع هؤلاء فإنّه سیصبح من حیث التقسیم الاجتماعی والدینی جزءاً منهم، حیث تؤکّد الآیة هذا المعنى بقولها: (ومن یتولهم منکم فإنّه منهم ).

وبدیهی أنّ الله لا یهدی الأفراد الظالمین الذین یرتکبون الخیانة بحقّ أنفسهم واخوانهم وأخواتهم المسلمین والمسلمات، ویعتمدون على أعداء الإسلام، تقول الآیة: (إنّ الله لا یهدی القوم الظالمین ).

وتشیر الآیة التّالیة إلى الأعذار التی کان یتشبث بها أفراد ذوی نفوس مریضة لتبریر علاقاتهم اللاشرعیة مع الغرباء، واعتمادهم علیهم وتحالفهم معهم، مبررین ذلک بخوفهم من الوقوع فی مشاکل إن أصبحت القدرة یوماً فی ید حلفائهم الغرباء، فتقول الآیة: (فترى

الذین فی قلوبهم مرض یسارعون فیهم یقولون نخشى أن تصیبنا دائرة ) (1).

ویذکّر القرآن الکریم هؤلاء الضعفاء، ذوی النفوس المریضة ردّاً على تعللهم فی التخلّی عن حلفهم مع الغرباء، فیبیّن لهم أنّهم حین یحتملون أن یمسک الیهود والنصارى یوماً بزمام القدرة والسلطة یجب أن یحتملوا ـ أیضاً ـ أن ینصر الله المسلمین فتقع القدرة بأیدیهم، حیث یندم هؤلاء على ما أضمروه فی أنفسهم، کما تقول الآیة: (فعسى الله أن یأتی بالفتح أو أمر من عنده فیصبحوا على ما أسروا فی أنفسهم نادمین ).

ویشتمل هذا الجواب القرآنی ـ فی الحقیقة - على جانبین:

أوّلهما: أنّ أفکاراً کهذه إنّما تخرج من قلوب مریضة لأفراد تزلزل ایمانهم وأصبحوا یسیئون الظن بالله، ولو لم یکونوا کذلک لما سمحوا لهذه الأفکار بأن تدخل نفوسهم.

أمّا الجانب الثّانی فی هذا الجواب فهو مواجهتهم بنفس الحجة التی أوردوها لتعللهم ذلک، إذ أنّ احتمالهم لوقوع السلطة بید الیهود والنصارى یقابله ـ بالضرورة ـ احتمال آخر وهو إنتصار المسلمین واستلامهم لمقالید الاُمور، وبهذا لا یکون هناک أىّ مجال لتشبث هؤلاء بحلفهم مع اُولئک أو الإعتماد علیهم.

وعلى أساس هذا التّفسیر فإنّ کلمة (عسى) التی لها مفهوم الاحتمال والأمل، تبقى فی هذه الآیة محتفظة بمعناها الأصلی لکن بعض المفسّرین قالوا بأنّها تعنی هنا الوعد الجازم من قبل الله للمسلمین، وهذا ما لا یتلائم وظاهر کلمة (عسى) البتة.

أمّا المراد من جملة (أو أمر من عنده ) التی جاءت بعد کلمة (الفتح) فی هذه الآیة فیحتمل أنّها تعنی أنّ المسلمین ـ فی المستقبل ـ إمّا أن یتغلبوا وینتصروا على أعدائهم عن طریق الحرب أو بدونها کأن تتوسع قدرتهم إلى درجة یضطر بعدها الأعداء إلى الخضوع والإستسلام للمسلمین دون الحاجة إلى الدخول فی حرب.

وبتعبیر آخر: کلمة (الفتح) تشیر إلى الانتصار العسکری للمسلمین، وأنّ جملة (أمر من عنده ) إشارة إلى الانتصارات الاجتماعیة والاقتصادیة وما شابه ذلک.

إنّ بیان هذا الاحتمال من قبل الله سبحانه وتعالى، مع کونه ـ عزّ وجلّ ـ عالماً بجمیع ما سیحصل فی المستقبل، یدلّ على أنّ الآیة تشیر إلى الانتصارات العسکریة والاجتماعیة والاقتصادیة التی سیحصل علیها المسلمون فی المستقبل.

وتشیر الآیة فی الختام إلى مصیر عمل المنافقین، وتبیّن أنّه حین یتحقق الفتح للمسلمین المؤمنین وتنکشف حقیقة عمل المنافقین یقول المؤمنون ـ بدهشة ـ: هل أنّ هؤلاء المنافقین هم اُولئک الذین کانوا یتشدّقون بتلک الدعاوى ویحلفون بالأیمان المغلّظة بأنّهم معنا، فکیف وصل الأمر بهم إلى هذا الحدّ؟ حیث تقول الآیة: (ویقول الذین آمنوا أهؤلاء الذین أقسموا بالله جهد ایمانهم أنّهم لمعکم ) (2).

إنّ هؤلاء لنفاقهم هذا ذهبت أعمالهم أدراج الریاح، لأنّها لم تکن نابعة من نیّة خالصة صادقة، ولهذا فقد أصبحوا من الخاسرین ـ سواء فی هذه الدنیا أم الآخرة معاً ـ حیث تؤکّد الآیة هذا الأمر بقولها: (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرین ).

والجملة الأخیرة تشبه ـ فی الحقیقة ـ جواباً لسؤال مقدّر، وکأنّ شخصاً یسأل: ماذا سیکون مصیر هؤلاء؟

فیجاب بأنّ أعمالهم أدراج الریاح، وستطوّقهم الخسارة من کل جانب، أی إنّ هؤلاء حتى لو کانت لهم أعمال صدرت عنهم باخلاص ونیّة صادقة، فهم لا یحصلون على أىّ نتیجة حسنة من تلک الأعمال الصالحة لانحرافهم صوب النفاق والشّرک بعد ذلک: وقد شرحنا هذا الأمر فی الجزء الثّانی من تفسیرنا هذا عند تفسیر الآیة 217 من سورة البقرة.


1. إنّ کلمة «دائرة» مشتقة من المصدر «دور» أی الشیء الذی یکون فی حالة دوران، وبما أنّ القدرات المادیة والحکومات هی فی حالة دوران دائم على طول التّأریخ، لذلک یقال لها (دائرة) کما تطلق هذه الکلمة ـ أیضاً ـ على أحداث الحیاة المختلفة التی تدور حول الأشخاص.
2. فی هذه الآیة تکون کلمة «هؤلاء» مبتدأ وخبرها جملة «الذین أقسموا بالله» أمّا جملة «جهد أیمانهم» فهی مفعول مطلق.

 

سبب النّزولالإعتماد على الغرباء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma