وحدة الإنسانیة وکرامتها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 32 سورة المائدة / الآیة 33 ـ 34

إنّ هذه الآیة تقوم باستخلاص نتیجة إنسانیة کلیة بعد الآیات التی تطرقت إلى قصّة ولدی آدم (علیه السلام).

ففی البدایة تشیر الآیة إلى حقیقة اجتماعیة تربویة مهمّة، وهی أن قتل أیّ إنسان، إن لم یکن قصاصاً لقتل إنسان آخر، أو لم یکن بسبب جریمة الإفساد فی الأرض، فهو بمثابة قتل الجنس البشری باجمعه، کما أنّ إنقاذ أیّ إنسان من الموت، یعد بمثابة إنقاذ الإنسانیة کلّها من الفناء، حیث تقول الآیة الکریمة: (من أجل (1) ذلک کتبنا على بنی إسرائیل أنّه من قتل نفساً بغیر نفس أو فساد فی الأرض فکأنّما قتل الناس جمیعاً ومن أحیاها فکأنّما أحیا الناس جمیعاً ).

ویرد هنا سؤال وهو: کیف یکون قتل إنسان واحد مساویاً لقتل الناس جمیعاً، وکیف یکون إنقاذ إنسان من الموت بمثابة إنقاذ الإنسانیة جمعاء من الفناء؟

ولقد وردت أجوبة عدیدة من قبل المفسّرین على هذا السّؤال... جاء فی تفسیر «التبیان» ستة أجوبة علیه، وفی «مجمع البیان» خمسة أجوبة، وفی «کنز العرفان» أربعة أجوبة، ولکن بعضاً من هذه الأجوبة یبتعد کثیراً عن معنى هذه الآیة. (2)

وکما قلنا فی بدایة تفسیر هذه الآیة، فإنّها تتحدث عن حقیقة اجتماعیة تربویة، لانّه: أوّلا: إن من یقتل إنساناً بریئاً ویلطخ یده بدم بریء یکون ـ فی الحقیقة ـ مستعداً لقتل أناس آخرین یساوونه فی الإنسانیه والبراءة، فهو ـ فی الحقیقة ـ إنسان قاتل، وضحیته إنسان آخر بریء، ومعلوم أنّه لا فرق بین الأبریاء من الناس من هذه الزاویة.

کما أنّ أی إنسان یقوم ـ بدافع حب النوع الإنسانی ـ بإنقاذ إنسان آخر من الموت، یکون مستعداً للقیام بعملیة الإنقاذ الإنسانیة هذه بشأن أیّ إنسان آخر، فهذا الإنسان المنقذ یحبّ إنقاذ الناس الأبریاء، لذلک لا فرق لدیه بین إنسان بریء وآخر مثله.

ونظراً لکلمة «فکأنّما» التی یستخدمها القرآن فی هذا المجال، فإننا نستدل بأن موت وحیاة إنسان واحد، مع أنّه لایساوی موت وحیاة المجتمع، إلاّ أنّه یکون شبیهاً بذلک.

وثانیاً: إنّ المجتمع یشکل فی الحقیقة کیاناً واحداً، واعضاؤه أشبه بأعضاء الجسد الواحد، وأنّ أی ضرر یصیب أحد اعضائه یکون أثره واضحاً ـ بصورة أو بأُخرى ـ فی سائر الأعضاء، ولأنّ المجتمع البشری یتشکل من الأفراد، لذلک فإن فقدان أی فرد منهم یعتبر خسارة للجمیع الإنسانی الکبیر، لأنّ هذا الفقدان یترک أثراً بمقدار ما کان لصاحبه من أثر فی المجتمع، لذلک یشمل الضرر جمیع أفراد المجتمع.

ومن جانب آخر فإنّ إحیاء فرد من أفراد المجتمع، یکون ـ لنفس السبب الذی ذکرناه ـ بمثابة إحیاء وإنقاذ جمیع أفراد المجتمع، لأنّ لکل إنسان أثر بمقدار وجوده فی بناء المجتمع الإنسانی وفی مجال رفع احتیاجاته، فیکون هذا الأثر قلیلا بالنسبة للبعض وکثیراً بالنسبة للبعض الآخر.

وحین نقرأ فی الروایات أنّ جزاء وعقاب قاتل النفس المحرمة، یکون کجزاء قاتل جمیع أفراد البشر، إنّما ذلک إشارة لهذا المعنى الذی ذکرناه، ولا یعنی أنّ الناس متساوون مع بعضهم فی کل الجهات، ولذلک نقرأ فی تفسیر هذه الروایات ـ أیضاً ـ أن عقاب القاتل یتناسب مع عدد الأفراد الذین قتلهم تناسباً طردیاً قلة وزیادة. (3)

وتبیّن هذه الآیة بجلاء أهمّیة حیاة وموت الإنسان فی نظر القرآن الکریم، وتتجلى عظمة هذه الآیة أکثر حین نعلم أنّها نزلت فی محیط لم یکن یعیر أی أهمیة لدماء أفراد الإنسانیة.

وتلفت الإنتباه فی هذا المجال روایات عدیدة ذکرت أنّ هذه الآیة مع أنّها تتحدث ـ أو یشیر ظاهرها ـ إلى الحیاة والموت المادیین، إلاّ أنّ الأهمّ من ذلک هو الموت والحیاة المعنویین، أی إضلال الفرد أو إنقاذه من الضلال، وقد سأل شخص الإمام الصّادق (علیه السلام) عن تفسیر هذه الآیة فأجابه (علیه السلام) قائلا: «من حرق أو غرق ـ ثمّ سکت (علیه السلام) ـ ثمّ قال: تأویلها الأعظم أنّ دعاها فاستجابت له». (4)

وفحوى قول الإمام الصّادق (علیه السلام) فی هذه الروایة هو الإنقاذ من الحریق أو الغرق ثمّ یستطرد الإمام (علیه السلام) ـ بعد سکوت ـ فیبیّن أن التأویل الأعظم لهذه الآیة هو دعوة الغیر إلى طریق الحق والخیر أو الباطل والشر، وتحقق القبول من الجانب الآخر المخاطب بهذه الدّعوة (5).

والسؤال الآخر الذی یمکن أن یرد فی هذا المجال أیضاً، هو عن سبب ورود اسم بنی إسرائیل بالذات فی هذه الآیة، مع أنّها تشمل حکماً لا یخص هذه الطائفة؟

والجواب: ویمکن القول فی الجواب بأن سبب الإتیان باسم بنی إسرائیل فی هذه الآیة هو أنّ هذه الطائفة قد شاعت بینها حوادث القتل وإراقة الدماء، وبالأخص ما کان منها ناشئاً عن الحسد وحبّ الذات والأنانیة وحبّ التسلط، وما زال الذین یتعرضون للقتل على أیدی هذه الطائفة ـ فی الوقت الحاضر ـ هم الأبریاء من الناس غالباً، ولهذا السبب ورد هذا الحکم الإلهی ـ لأوّل مرّة ـ فی سیرة بنی إسرائیل!

وتشیرالآیة فی آخرها ـ إلى انتهاکات بنی إسرائیل، فتؤکّد أنّ هذه الطائفة على الرغم من ظهور الأنبیاء بینهم یحملون الدلائل الواضحة لإرشادهم، إلاّ أنّ الکثیر منهم قد نقضوا وانتهکوا القوانین الإلهیّة، واتبعوا سبیل الإسراف فی حیاتهم، حیث تقول الآیة: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبیّنات ثمّ إنّ کثیراً منهم بعد ذلک فی الأرض لمسرفون ).

ویجدر الإنتباه إلى أنّ کلمة «إسراف» لها معان واسعة، تشمل کل تجاوز أو تعدّ عن الحدود، ولو أنّها تستخدم فی الغالب فی مجال الهبات والنفقات.


1. إنّ کلمة «أجل» التی هی على وزن «نخل» تعنی فی الأصل الجریمة، وقد شاع استعمالها فیما بعد فی کل عمل له عاقبة سیئة، ثمّ استعملت لکل عمل ذی عاقبة، وهی الآیة تستخدم للتعلیل أو بیان علّة الشیء.
2. تفسیر التبیان، ج 3، ص 502; وتفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 322; وتفسیر کنزالعرفان، ج 2، ص 353.
3. اصول الکافی، ج 7، ص 271.
4. اصول الکافی، ج 2، ص 211.
5. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 620 وقد وردت فی هذا المجال روایات اُخرى بنفس المضمون.

 

سورة المائدة / الآیة 32 سورة المائدة / الآیة 33 ـ 34
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma