التّستر على الجریمة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 30 ـ 31 سورة المائدة / الآیة 32

تواصل هاتان الآیتان بقیة الواقعة التی حصلت بین إبنی آدم (علیه السلام)، فتبیّن الآیة الاُولى منهما أن نفس قابیل هی التی دفعته إلى قتل أخیه فقتله، حیث تقول: (فطوعت له نفسه قتل أخیه فقتله ).

ونظراً لأنّ کلمة «طوع» تأتی فی الأصل من «الطاعة» لذلک یستدل من هذه العبارة على أنّ قلب «قابیل» بعد أن تقبل الله قربان أخیه هابیل أخذت تعصف به الأحاسیس والمشاعر المتناقضة، فمن جانب استعرت فیه نار الحسد وکانت تدفعه إلى الإنتقام من أخیه «هابیل» ومن جانب آخر کانت عواطفه الإنسانیة وشعوره الفطری بقبح الذنب والظلم والجور وقتل النفس، یحولان دون قیامه بارتکاب الجریمة، لکن نفسه الأمارة بالسوء تغلبت رویداً رویداً على مشاعره الرادعة فطوّعت ضمیره الحی وکبلته بقیودها واعدته لقتل أخیه، وتدلّ عبارة «طوعت» مع قصرها على جمیع المعانی التی ذکرناها لأنّ عملیة التطویع کما نعلم لا تتمّ فی لحظة واحدة، بل تحصل بشکل تدریجی وعبر صراعات مختلفة.

وتشیر الآیة ـ فی آخرها ـ إلى نتیجة عمل «قابیل» فتقول (فأصبح من الخاسرین ) فأىّ ضرر أکبر من أن یشتری الإنسان لنفسه عذاباً سیلازمه إلى یوم القیامة، ویشمل عذاب الضمیر وعقاب الله والعار والأبدی!!

وقد حاول البعض الاستدلال من کلمة «أصبح» على أن جریمة القتل قد وقعت لیلا، فی

حین أنّ کلمة «أصبح» من حیث معناها اللغوی لا تنحصر فی زمن معین لیلا مکان أم نهاراً، بل تدل على حدوث شیء ما، کما جاء فی الآیة 103 من سورة آل عمران فی قوله تعالى: (...فأصبحتم بنعمته إخواناً... ).

وتفید بعض الروایات المنقولة عن الإمام الصّادق (علیه السلام) أنّ قابیل حین قتل أخاه ترک جثته فی العراء حائراً لا یدری ما یفعل بها، فلم یمض وقت حتى حملت الوحوش المفترسة على جثة «هابیل» فاضطر «قابیل» (ربّما نتیجة لضغط وجدانی شدید) إلى حمل جثة أخیه مدّة من الزمن لإنقاذها من فتک الوحوش، لکن الطیور الجارحة أحاطت به وهی تنتظر أن یضعها على الأرض للهجوم علیها ثانیة وفی تلک الأثناء بعث الله غراباً (کما تصرّح الآیة) فأخذ یحفر الأرض ویزیح التراب لیدفن جسد غراب میت آخر، أو لیخفی جزءاً من طعامه ـ کما هی عادة الغربان ـ ولیدل بذلک «قابیل» کیف یدفن جثة أخیه، حیث تقول الآیة الکریمة: (فبعث الله غراباً یبحث فی الأرض لیریه کیف یواری سوءة أخیه ) (1).

ولا غرابة فی أن یتعلم إنسان شیئاً من طیر من الطیور، فالتاریخ والتجربة یدلان على أنّ للکثیر من الحیوانات مجموعة من المعلومات الغریزیة تعلمها منها البشر على طول التاریخ، مکملا بذلک معلوماته ومعارفه، وحتى بعض الکتب الطبیّة تذکر أنّ الإنسان مدین فی جزء من معلوماته الطبیة للحیوانات!

ثمّ تشیر الآیة الکریمة إلى أنّ قابیل استاء من غفلته وجهله، فأخذ یؤنّب نفسه کیف أصبح أضعف من الغراب فلا یستطیع دفن أخیه مثله، فتقول الآیة: (قال یا ویلتی أعجزت أن أکون مثل هذا الغراب فأواری سوءة أخی... ).

وکانت العاقبة أن ندم قابیل على فعلته الشنیعة کما تقول الآیة: (فأصبح من النادمین ).

فهل کان ندمه على جریمته، خوفاً من افتضاح أمره أمام أبویه، أو ربّما أخوته الآخرین الّذین کانوا سیلومونه على فعلته، أم أنّ ندمه کان إشفاقاً على نفسه، لأنّه حمل جسد أخیه القتیل لفترة دون أن یعلم ماذا یفعل به أو کیف یدفنه، أم کان سبب الندم هو ما یشعر به الإنسان ـ عادة ـ من قلق واستیاء بعد إرتکاب کل عمل قبیح؟

مهما کانت أسباب الندم ودوافعه لدى «قابیل» فذلک لا یعنی أنّه تاب من فعلته وجریمته التی ارتکبها، فالتوبة معناها أن لا یعاود الإنسان المذنب تکرار الذنب، خوف من الله واستقباحاً للذنب، ولم یشر القرآن الکریم إلى صدور مثل هذه التوبة عن «قابیل»، وقد تکون الآیة التالیة إشارة إلى عدم صدور التوبة عنه.

ورد فی حدیث عن النّبی (صلى الله علیه وآله) قوله: «لا تقتل نفس ظلماً إلاّ کان على ابن آدم الأوّل کفل من دمها لأنّه کان أوّل من سن القتل» (2).

ویستدل من هذا الحدیث أیضاً على أنّ من سنّ سُنّة سیئة، سیبقى یتحمل وزرها مادامت باقیة فی الدنیا.

ممّا لا ریب فیه أنّ قصّة ولدی آدم (علیه السلام) قصّة حقیقیة، یثبتها ظاهر الآیات القرآنیة الأخیرة والروایات الإسلامیة، کما أنّ عبارة «بالحق» الواردة فی هذه القصّة القرآنیة تعتبر شاهداً على هذا الأمر، وعلى هذا الأساس فإنّ الأقوال التی افترضت لهذه القصّة طابعاً رمزیاً من قبیل التشبیه أو الکنایة أو القصّة المفترضة لا أساس لها مطلقاً.

ولا مانع من أن تکون هذه القصّة الحقیقیة مثالا من الصراع الدائم الذی یطغى على المجتمعات البشریة، حیث یقف فی أحد جانبیه أناس جبلوا على الطهارة والصفاء والإیمان والعمل الصالح المقبول عند الله، وفی الجانب الآخر یقف أفراد تدنسوا بالانحراف وجبلوا على الحقد والحسد والضغینة والبغضاء والعمل الشریر.

وکم هو العدد الکبیر من اُولئک الإبرار الأخیار الذین ذاقوا حلاوة الشهادة على أیدی هؤلاء الأشرار الذین سیدرکون ـ فی النهایة ـ فظاعة الأعمال الآثمة التی إرتکبوها، وسیسعون إلى إخفائها والتستر علیها، فتظهر لهم فی مثل هذه اللحظات آمالهم السوداء الشبیهة بالغراب ـ المذکور فی الآیة القرآنیة  الأخیرة ـ فتحثّهم وتدفعهم إلى إخفاء جرائمهم، لکنّهم سوف لا یجنون فی النهایة غیر الخیبة والخسران.


1. جاء فی مجمع البیان أنّ کلمة «یبحث» معناها فی الأصل هو البحث عن شىء فی التراب ثمّ استعملت فی مختلف أنواع البحوث، أمّا کلمة «سوأة» فهی تعنی کل شیء یستاء الإنسان من رؤیته، ولذلک تطلق أحیاناً على جسد المیت، وعلى عورة الإنسان، ویجب الإنتباه هنا إلى أنّ الفاعل فی جملة «لیریه» قد یکون هو الله، أی إنّ الله أراد أن یری «قابیل» کیف یدفن أخاه، وذلک احتراماً لـ «هابیل» ویحتمل أن یکون الغراب هو الفاعل فی الجملة المذکورة.
2. مسند أحمد، ج 1، ص 383 و433، کما جاء فی تفسیر فی ظلال القرآن، ج 2، ص 703، ذیل الآیة مورد البحث.

 

سورة المائدة / الآیة 30 ـ 31 سورة المائدة / الآیة 32
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma