تطهیر الجسم والرّوح

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 6 1ـ فلسفة الوضوء والتیمم

لقد تناولت الآیات السابقة بحوثاً متعددة عن الطیبات الجسمانیة والنعم المادیة، أمّا الآیة الأخیرة فهی تتحدث عن الطیبات الروحیة وما یکون سبباً لطهارة الرّوح والنفس الإنسانیة، فقد بیّنت هذه الآیة أحکاماً مثل الوضوء والغسل والتیمم، التی تکون سبباً فی صفاء وطهارة الروح الإنسانیة ـ فخاطبت المؤمنین فی البدایة موضحة أحکام الوضوء بقولها: (یا أیّها الذین آمنوا إذا قمتم (1) إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهکم وأیدیکم إلى المرافق وأمسحوا برؤوسکم وأرجلکم إلى الکعبین ).

لم توضّح الآیة مناطق الوجه التی یجب غسلها فی الوضوء، لکن الروایات التی وردت عن أئمّة أهل البیت (علیهم السلام)قد بیّنت بصورة مفصلة طریقة الوضوء التی کانت النّبی (صلى الله علیه وآله) یعمل بها.

إنّ حدود الوجه طولا من منابت الشعر على الجبهة حتى منتهى الذقن، وعرضاً ما یقع من الوجه بین الأصبع الوسطى والإبهام ـ وهذا هو ما یسمّى ویفهم من الوجه عرفاً، لأنّ الوجه هو ذلک الجزء من الجسم الذی یواجه الإنسان لدى التلاقی مع نظیره.

لقد ذکرت الآیة حدود ما یجب غسله من الیدین فی الوضوء، فأشارت إلى أنّ الغسل یکون حتى المرفقین ـ وقد جاء التصریح بالمرفقین فی الآیة لکی لا یتوهم بأنّ الغسل المطلوب هو للرسغین کما هو العادة فی غسل الأیدی.

ویتبیّن من هذا التوضیح أنّ کلمة «إلى» الواردة فی الآیة هی لمجرّد بیان حد الغسل ولیست لبیان اُسلوبه کما التبس على البعض، حیث ظنوا أنّ المقصود فی الآیة هو غسل الیدین ابتداء من أطراف الأصابع حتى المرفقین (وراج هذا الاُسلوب لدى جماعات من أهل السنة).

ولتوضیح هذا الأمر نقول: أنّه حین یطلب إنسان من صباغ أن یصبغ جدار غرفة من حد ارضیتها لغایة متر واحد، فالمفهوم من ذلک أنّه لا یطلب أن یبدأ الصباغ عمله من تحت إلى فوق، بل إنّ ذکر هذه الحدود هو فقط لبیان المساحة المراد صبغها لا أکثر ولا أقل، وعلى هذا الأساس فإنّ الآیة أرادت من ذکر حدود الید بیان المقدار الذی یجب غسله منها لا اُسلوب وکیفیة الغسل.

وقد شرحت الروایات الواردة عن أهل البیت (علیهم السلام) اُسلوب الغسل وفق سنّة النّبی (صلى الله علیه وآله)وهو غسل الیدین من المرفق حتى أطراف الأصابع.

ویجب الإنتباه إلى أنّ المرفق ـ أیضاً ـ یجب غسله اثناء الوضوء، لأنّ الغایة فی مثل هذه الحالات تدخل ضمن المغیّى، أی إنّ الحدّ یدخل فی حکم المحدود (2).

 

 

إنّ حرف (بــ) الوارد مع عبارة «برؤوسکم» فی الآیة یعنی التبعیض، کما صرّحت به بعض الروایات وأیده البعض من علماء اللغة، والمراد بذلک بعض من الرأس، أی مسح بعض من الرأس حیث أکدت روایات الشیعة أنّ هذا البعض هو ربع الرأس من مقدمته، فیجب مسح جزء من هذا الربع حتى لو کان قلیلا بالید، بینما الرائج بین البعض من طوائف السنّة فی مسح کل الرأس وحتى الأذنین لا یتلاءم مع ما یفهم من هذه الآیة الکریمة.

إنّ اقتران عبارة «ارجلکم» بعبارة «رؤوسکم» دلیل على أنّ الأرجل یجب أن تمسح هی ـ أیضاً ـ لا أن تغسل، وما فتح اللام فی «ارجلکم» إلاّ لأنّها معطوفة محلا على «رؤوسکم» ولیست معطوفة على «وجوهکم» (3).

تعنی کلمة «کعب» فی اللغة النتوء الظاهر خلف الرجل، کما تعنی ـ أیضاً ـ المفصل الذی یربط مشط الرجل بالساق (4).

بعد ذلک کله بیّنت الآیة حکم الغسل عن جنابة حیث قالت: (وإن کنتم جنباً فاطّهّروا... ) والواضح أنّ المراد من جملة «فاطّهروا» هو غسل جمیع الجسم، لأنّه لو کان المراد جزءاً خاصاً منه لأقتضى ذکر ذلک الجزء، وعلى هذا الأساس فإنّ العبارة المذکورة تعنی جمیع الجسم ـ وقد جاء حکم مشابه لهذا الحکم فی الآیة 43 من سورة النساء حیث تقول: (حتى تغتسلوا ).

إنّ کلمة «جُنباً» ـ وکما أوضحنا سابقاً فی الجزء الثّالث من تفسیرنا هذا، لدى تفسیر الآیة 43 من سورة النساء ـ مصدر، وقد وردت بمعنى اسم الفاعل، وتعنی فی الأصل «المتباعد» أو «البعید» لأنّ الجذر الأصلی هو «جنابة» بمعنى «بُعد»، وسبب إطلاق هذا اللفظ على الإنسان المجنب لأن هذا الإنسان یجب علیه أن یبتعد عن الصلاة والتوقف فی المساجد وأمثالها.

وتطلق هذه الکلمة «جنب» على المفرد والجمع والمذکر والمؤنث، وإطلاق «جار الجنب» على البعید هو لنفس المناسبة.

ویمکن أن یستدل من الآیة التی تدعو المجنب إلى الإغتسال قبل الصّلاة على أن غسل الجنابة یجزیء، وینوب عن الوضوء أیضاً.

ومن ثمّ بادرت الآیة إلى بیان حکم التیمم حیث قالت: (وإن کنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منکم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتیمموا صعیداً طیباً ).

وهنا یجب الإلتفات إلى أن جملتی (أو جاء أحد منکم من الغائط ) و (أو لامستم النساء ) هما ـ کما أشرنا سابقاً ـ معطوفتان على بدایة الآیة، أی على جملة: (إذ قمتم إلى الصّلاة ) فالآیة أشارت فی البدایة حقیقة إلى قضیة النوم، وتطرقت فی آخرها إلى نوعین آخرین من موجبات الوضوء والغسل.

أمّا لو عطفنا الجملتین على جملة (على سفر ) فسنواجه مشکلتین فی هذه الآیة وهما أوّلا: إنّ عودة الإنسان بعد التخلی لا یمکن أن تکون کحالة المرض أو السّفر فلا تناظر بین تلک وهاتین الحالتین، لذلک ترانا مضطرین إلى أن نأخذ حرف «أو» الوارد فی الآیة بمعنى الواو العاطفة (وأکّد هذا الأمر جمع من المفسّرین) وهذا خلاف لظاهر الآیة.

بالإضافة إلى ذلک فإنّ ذکر التغوط بصورة خاصّة من بین کل موجبات الوضوء سیبقى بدون مبرر، لکننا لو فسّرنا الآیة بالصورة التی قلناها سابقاً فلا یبقى بعد ذلک مبرر لهذین الإعتراضین الأخیرین، (ومع أنّنا اعتبرنا فی تفسیر الآیة 43 من سورة النساء)، وجریاً على ما فعله الکثیر من المفسّرین، اعتبرنا کلمة «أو» بمعنى الواو العاطفة، إلاّ أنّ الذی ذکرناه مؤخراً ـ هنا ـ یعتبر أقرب إلى القبول من ذلک.

أمّا الموضوع الآخر فهو تکرار موضوع الجنابة مرّتین فی هذه الآیة، ویحتمل أن یکون هدف هذا التکرار هو التأکید على هذه القضیة، أو قد تکون کلمة «جنباً» الواردة بمعنى الجنابة التی تحدث أثناء النوم أو بسبب الإحتلام، بینما المراد من جملة (أو لامستم النساء ) هو الجنابة الحاصلة نتیجة المقاربة الجنسیة بین الرجل والمرأة، وإذا فسّرنا کلمة «قمتم» الواردة فی الآیة بالقیام من النوم (کما ورد فی روایات أئمّة أهل البیت (علیهم السلام) وأیضاً اشتملت الآیة على

قرینة بهذا الخصوص) یکون تفسیرنا هذا تأییداً للمعنى الذی أوردناه بخصوص تکرار موضوع الجنابة.

لقد بیّنت الآیة ـ بعد ذلک ـ اُسلوب التیمم بصورة إجمالیة فقالت: (فامسحوا بوجوهکم وأیدیکم منه ) والواضح هنا هو أنّ المراد لیس حمل شیء من التراب ومسح الوجه والیدین به، بل إنّ المقصود هو ضرب الکفین على تراب طاهر ثمّ مسح الوجه والیدین بهما، لکن بعض الفقهاء استدلوا بعبارة «منه» الموجودة فی الآیة وقالوا بضرورة أن یلاصق الکفّین شیء ولو قلیل من التراب (5).

بقیت مسألة أخیرة فی هذا المجال، وهی مسألة معنى کلمتی (صعیداً طیباً ) فقد ذهب الکثیر من علماء اللغة إلى أنّ لکلمة «صعید» معنیین هما التراب أوّلا، أو کل شیء یغطی سطح البسیطة أی الکرة الأرضیة ثانیاً، سواء کان تراباً أو صخراً أو حصى أو حجراً أو غیر ذلک من الأشیاء، وقد أدى هذا إلى حصول اختلاف فی آراء الفقهاء حول الشیء الذی یجوز التیمم به، هل هو التراب وحده أو أنّ الحجر والرمل وأمثالهما ـ أیضاً ـ یجوز التیمم بهما؟

وحین نرجع إلى الأصل اللغوی لکلمة «صعید» الذی یدل على «الصعود والإرتفاع» فإن المعنى الثّانی لهذه الکلمة یبدو أقرب إلى الذهن.

وتطلق کلمة «طیب» على الأشیاء التی تلائم الطبع والذوق الإنسانی، وقد أطلق القرآن الکریم هذه الکلمة فی موارد کثیرة مثل: «البلد الطیب» و«مساکن طیبة» و«ریح طیبة» و«حیاة طیبة» وغیرها... وکذلک فإنّ کل شیء طاهر یعتبر طیباً، لأنّ طبع الإنسان ینفر من الأشیاء النجسة المدنّسة، ومن هذا نستدل على أنّ تراب التیمم یجب أن یکون تراباً طاهراً أیضاً.

وقد أکّدت الروایات الواردة إلینا عن أئمّة الإسلام (علیهم السلام) على هذا الموضوع بصورة متکررة، ونقرأ واحدة من هذه الروایات وهی تقول: «نهى أمیر المؤمنین أن یتیمم الرجل بتراب من أثر الطریق» (6).

والجدیر بالنظر أنّ عبارة «التیمم» الواردة فی القرآن والحدیث بمعنى التکلیف الشرعی الذی مضى الحدیث عنه، جاءت فی اللغة بمعنى «القصد» والقرآن الکریم یقرر أنّ الإنسان لدى قصد التیمم علیه أن یختار قطعة طاهرة من الأرض من بین القطعات المختلفة للتیمم منها، قطعة ینطبق علیها مفهوم «الصعید» معرضة للأمطار والشمس والریاح، وبدیهی أن تکون قبل اتخاذهما للتیمم مثل هذه القطعة من الأرض التی لم تتعرض لوطء الأقدام، فیها الصفات التی تستوعبها کلمة «طیب» وعندئذ فإن هذه القطعة من الأرض ـ بالإضافة إلى کونها لا تضرّ بالصحّة ـ تکون أیضاً ـ وکما أسلفنا لدى تفسیرنا للآیة 43 من سورة النساء ـ ذات أثر أیضاً فی قتل الجراثیم والمیکروبات، کما یؤکّده العلماء من ذوی الاختصاص فی هذا المجال.


1. وردت روایات عدیدة عن أئمّة أهل البیت (علیهم السلام) تؤکّد أنّ المراد بجملة «قمتم» هو القیام من النوم، حیث لدى الإمعان فی محتویات الآیة یتأکد لنا هذا الأمر أیضاً، لأنّ الجمل التالیة التی تبین فیها الآیة حکم التیمم قد وردت فیها عبارة (أو جاء أحد منکم من الغائط)، فلو کانت الآیة تبیّن فی بدایتها حکم جمیع من لیسوا على وضوء، فإن عطف الجملة الأخیرة ـ وبالأخص ـ بحرف «أو» لا یتلاءم وظاهر هذه الآیة، لأنّ المقصود فیها یدخل ضمن عنوان من هو لیس على وضوء أیضاً. أمّا إذا کان الآیة فی بدایتها تتکلم بصورة خاصة عن الذین یقومون من النوم، أی إنّها تبیّن فقط ما أصطلح علیه بـ«حدث النوم» فإنّ الجملة المذکورة تصبح مفهومة بشکل تام.
2. لقد ذکر «سیبویه» الذی هو من مشاهیر علماء اللغة العربیة أنّه متى ما کان الشیء الوارد بعد (إلى) والشیء الوارد قبلها من جنس واحد، ویدخل هذا (المابعد) فی الحکم ـ أمّا لو کانا من جنسین مختلفین فیعتبر خارجاً عن الحکم ـ فلو قیل: أمسک إلى آخر ساعة من النهار، یکون المفهوم من هذه الجملة أن الإمساک یشمل الساعة الأخیرة أیضاً، بینما لو قیل: أمسک إلى أول اللیل فإن أوّل اللیل لا یدخل ضمن حکم الإمساک (تفسیر المنار، ج6، ص 223).
3. لیس هناک من شک بأنّ عبارة «وجوهکم» تفصلها مسافة کبیرة نسبیاً عن عبارة «أرجلکم» لذلک یستبعد أن تکون الأخیرة معطوفة على «وجوهکم»، إضافة إلى ذلک فإنّ الکثیر من القراء قد قرأوا عبارة «أرجلکم» بکسر اللام.
4. لقد ذکر القاموس ثلاثة معان «للکعب» وهی: النتوء الظاهر خلف الرجل، والمفصل، والنتوئین البارزین على جانبی الرجل ـ وقد بیّنت السنّة الشریفة أنّ المراد فی الآیة لیس النتوءات المذکورات ولکن العلماء اختلفوا فی هل أن المراد هو النتوء البارز خلف الرجل أو هو المفصل؟ ـ وعلى أی حال ـ فإنّ الإحتیاط یوجب أن یکون المسح حتى المفصل.
5. لقد أوضحنا فی تفسیر الآیة 43 من سورة النساء، بصورة مفصلة، أحکام التیمم وفلسفتها الإسلامیة وکیف أن التیمم لا یعتبر مغایراً للوقایة الصحیّة، بل فیه جانب وقائی صحی أیضاً، وکذلک حول معنى «غائط» وقضایا اُخرى فلیراجع.
6. وسائل الشیعة، ج 2، ص 969.

 

سورة المائدة / الآیة 6 1ـ فلسفة الوضوء والتیمم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma