بعد أن تناولت الآیات السابقة بعضاً من انحرافات أهل الکتاب بالنسبة لمبدأ التوحید ومبادىء وتعالیم الأنبیاء، جاءت الآیتان الأخیرتان لتختما القول فی بیان سبیل النّجاة والخلاص من تلک الانحرافات.
لقد توجه الخطاب أوّلا إلى عامّة الناس، مبیناً أنّ الله قد بعث من جانبه نبیّاً یحمل معه الدلائل والبراهین الواضحة، وبعث معه النور المبین المتجسد فی القرآن الکریم الذی یهدی الناس إلى طریق السعادة الأبدیة، حیث تقول الآیة الاُولى: (یا أیّها الناس قد جاءکم برهان من ربّکم وانزلنا إلیکم نوراً مبیناً ).
ویعتقد بعض العلماء أنّ کلمة «برهان» المشتقة من المصدر «بره» على وزن «فرح» تعنی الإبیضاض ـ ولمّا کانت الأدلة الواضحة تجلى للمسامع وجه الحق وتجعله واضحاً مشرقاً أبیض لذلک سمیت بـ«البرهان».
والمقصود بالبرهان الوارد فی الآیة موضوع البحث ـ وکما یقول جمع من المفسّرین وتؤکّد ذلک القرائن ـ هو شخص نبیّ الإسلام (صلى الله علیه وآله)، وأنّ المقصود بالنور هو القرآن المجید الذی عبّرت عنه آیات اُخرى بالنور أیضاً.
وقد فسّرت الأحادیث المتعددة المنقولة عن أهل البیت (علیهم السلام) ـ والتی أوردتها تفاسیر
«نور الثقلین» و«على بن إبراهیم» و«مجمع البیان» ـ أنّ «البرهان» هو النّبی (صلى الله علیه وآله) و«النّور» هو علی بن أبی طالب (علیه السلام).(1)
ولا یتنافى هذا التّفسیر مع ذلک الذی أوردناه قبله، حیث یمکن أن یقصد بعبارة «النور» معان عدیدة لتشمل «القرآن» و«أمیر المؤمنین علی (علیه السلام)» الذی یعتبر حافظاً ومفسّراً للقرآن ومدافعاً عنه.
وتوضح الآیة الثانیة عاقبة اتّباع هذا البرهان وهذا النور، فتؤکّد على أنّ الذین آمنوا بالله وتمسکوا بهذا الکتاب السماوی، سیدخلهم الله عاجلا فی رحمته الواسعة، ویجزل لهم الثواب من فضله ورحمته، ویهدیهم إلى الطریق المستقیم. تقول الآیة: (فأمّا الذین آمنوا بالله واعتصموا به فسیدخلهم فی رحمة منه وفضل ویهدیهم إلیه صراطاً مستقیماً )(2).
1. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 252; ذیل الآیة مورد البحث.
2. راجع تفسیر سورة الحمد فی تفسیرنا هذا للإطلاع على تفسیر عبارة ( الصراط المستقیم ).
