لقد تحدثت الآیات السابقة عن أثر الإیمان والعمل، کما بیّنت أن إتّباع أی مذهب أو شریعة غیر شرع الله لا یغنی عن الإنسان شیئاً، والآیة الحاضرة تدارکت کل وهم قد یطرأ على الذهن من سیاق الآیات السابقة، فأوضحت أفضیلة شریعة الإسلام وتفوقها على سائر الشرائع الموجودة، حیث قالت (ومن أحسن دیناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهیم حنیفاً ).
ومع أنّ هذه الآیة قد جاءت بصیغة الاستفهام، إلاّ إنّها تهدف إلى کسب الاعتراف من السامع بالحقیقة التی أوضحتها.
لقد بیّنت الآیة ـ موضوع البحث ـ اُموراً ثلاثة تکون مقیاساً للتفاضل بین الشرائع وبیاناً لخیرها:
1ـ الإستسلام والخضوع المطلق لله العزیز القدیر، حیث تقول الآیة: (أسلم وجهه لله ) (1).
2ـ فعل الخیر، کما تقول الآیة: (وهو محسن ) والمقصود بفعل الخیر ـ هنا ـ کل خیر یفعله الإنسان بقلبه أو لسانه أو عمله، وفی حدیث عن النّبی (صلى الله علیه وآله) ذکره صاحب تفسیر الثقلین فی تفسیره للآیة ـ هذه ـ وهو جواب لمن سأل النّبی (صلى الله علیه وآله) تحدید معنى الإحسان، فقال (صلى الله علیه وآله): «أن تعبد الله کأنک تراه فإن لم تکن تراه فإنّه یراک». (2)
فالإحسان فی هذه الآیة هو کل عمل ینجزه الإنسان ویقصد به التعبد لله والتقرب إلیه، وأن یکون الإنسان لدى إنجازه لهذا العمل قد جعل الله نصب عینیه، وکأنّه یراه، فإن کان هو یعجز عن رؤیة الله فإن الله یراه ویشهد على أعماله.
3ـ إتّباع شریعة إبراهیم النقیة الخالصة، کما فی الآیة: (واتبع ملّة إبراهیم حنیفاً ) (3).
ودلیل الإعتماد على شریعة إبراهیم ما ذکرته الآیة نفسها فی آخرها: إذ تقول: (واتّخذ الله إبراهیم خلیلا ).