فی هذه الآیة الکریمة إشارة اُخرى إلى حادثة «بنی الأبیرق» التی تحدثنا عنها لدى تطرقنا إلى سبب النّزول فی آیات سابقة، وهذه تؤکّد أنّ الله قد صان النّبی (صلى الله علیه وآله) بفضله ورحمته ـ سبحانه وتعالى ـ من کید بعض المنافقین الذین کانوا یأتمرون به (صلى الله علیه وآله) لیحرفوه عن طریق الحق والعدل، فکانت رحمة الله أقرب إلى نبیّه فصانته من کید المنافقین، حیث تقول الآیة: (ولولا فضل الله علیک ورحمته لهمت طائفة منهم أن یضلوک ).
لقد سعى اُولئک المنافقون ـ من خلال اتهامهم لشخص بریء وجرّ النّبی وتوریطه فی هذه الحادثة ـ إلى إلحاق ضربة بشخصیة النّبی (صلى الله علیه وآله) الاجتماعیة والمعنویة أوّلا، وتحقیق مآربهم الدنیئة بحق إنسان مسلم بریء ثانیاً، ولکنّ الله العزیز العلیم کان لهم بالمرصاد، فصان نبیّه (صلى الله علیه وآله)من تلک المؤامرة وأحبط عمل المنافقین.
ویذکر بعض المفسّرین سبباً آخر لنزول هذه الآیة وهو أنّ جماعة من قبیلة «بنی ثقیف» وردوا على النّبی (صلى الله علیه وآله) فذکروا له أنّهم مستعدون لمبایعته بشرطین: الأوّل هو أن یرغم أفراد هذه القبیلة على کسر أصنامهم بأیدیهم، والثّانی أن یسمح النّبی لهم بأن یواصلوا عبادة صنمهم (العزى) لسنة واحدة اُخرى! فنزل أمر الله على النّبی (صلى الله علیه وآله) أن لا یبدی أیة مرونة أمام هؤلاء، حیث نزلت الآیة المذکورة وأعلنت بأن فضل الله ورحمته قد شملت النّبی (صلى الله علیه وآله)وصانته من تلک الوساوس. (1)
بعد ذلک تذکر الآیة أنّ هؤلاء القوم إنّما یرمون بأنفسهم فی الضلالة ولا یضرّون بعملهم النّبی (صلى الله علیه وآله) شیئاً، إذ تقول... (وما یضلّون إلاّ أنفسهم وما یضرونک من شیء ).
وأخیراً توضح الآیة سبب عصمة النّبی (صلى الله علیه وآله) عن الخطأ والزلل والذنب، فتذکر أنّ الله أنزل على نبیّه الکتاب والحکمة وعلمه ما لم یکن یعلم من قبل: (وأنزل الله علیک الکتاب والحکمة وعلمک ما لم تکن تعلم ) ثمّ تردف الآیة ذلک بجملة: (وکان فضل الله علیک عظیماً ).
1. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 188، ذیل الآیة مورد البحث.
