لقد نقلوا واقعة مفصلة عن سبب نزول الآیتین المذکورتین، خلاصتها أنّ فی قبیلة بنی الأبیرق المعروفة نسبیاً کان ثلاثة أشقاء هم «بشر» و«بشیر» و«مبشر» سطا أحدهم وهو «بشیر» على دار أحد المسلمین ویدعى «رفاعة» فسرق سیفه ودرعه وکمیة من الغذاء، وکان ابن أخیه ویدعى «قتادة» من مجاهدی بدر فأخبر النّبی (صلى الله علیه وآله) بالواقعة.
ولکن الأشقاء الثّلاثة إتهموا شخصاً من المسلمین اسمه «لبید» الذی کان یسکن فی دار واحد معهم، فتألم لبید ألماً شدیداً من هذه التهمة الباطلة واستل سیفه وتوجه إلى الأشقاء الثلاثة صارخاً فی وجوههم قائلا: «اتتهموننی أنا بالسّرقة وأنتم أجدر بهذا العمل؟ فانتم هم اُولئک المنافقون الذین کنتم تهجون النّبی وتنسبون أبیات الهجو إلى قریش، فأمّا أن تثبتوا ما تنسبونه لی من تهمة، أو أن أهوى بسیفی على رؤسکم».
فلمّا رأى أخوة السارق ذلک حاولوا استرضاء «لبید» ولکنّهم لمّا علموا أنّ القضیة قد وصلت إلى أسماع النّبی بواسطة «قتادة» لجؤوا إلى أحد متکلمی قبیلتهم فطلبوا منه أن یذهب مع جمع من الناس إلى النّبی ویتظاهر بأنّ الحق إلى جانبهم لیبرىء السارق ویتهم «قتادة» بتلفیق التهمة على شقیقهم، وقد قبل النّبی (صلى الله علیه وآله) استناداً إلى واجب العمل بظاهر الاُمور ـ شهادة تلک المجموعة وأنّب «قتادة» على عمله.
وقد تألم «قتادة» الذی کان یعرف نفسه بریئاً ... تألم من هذه الواقعة وعاد إلى عمّه وأخبره بالحادث مظهراً أسفه الکبیر لما حصل، فخفف علیه عمّه وقال: «لا تحزن یا قتادة
إنّ الله فی عوننا» فنزلت الآیتان المذکورتان لتعلنا براءة الرجل، وتؤنّبا مرتکبی الخیانة الحقیقیین. (1)
ونقلوا ـ أیضاً ـ واقعة اُخرى فی سبب نزول الآیتین، وهی أنّ درعاً لأحد الأنصار کانت قد سرقت فی إحدى الحروب، وکان الشک یدور على شخص من قبیلة «الأبیرق» فی سرقة ذلک الدرع، ولما علم السارق بأنّ الشکوک بدأت تدور حوله رمى بالدرع فی دار أحد الیهود، وطلب من قبیلته أن یشهدوا ببراءته أمام النّبی (صلى الله علیه وآله) ویستدلوا بذلک على وجود الدرع فی دار الیهودی، ولمّا رأى النّبی (صلى الله علیه وآله) الأمر بتلک الصورة برأ هذا السارق بحسب ظاهر الشهادة التی جاءت لصالحه واُدین الرجل الیهودی بسرقة الدرع، فنزلت الآیتان المذکورتان لتوضحا الحقیقة. (2)
1. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 181 و182، ذیل الآیة مورد البحث.
2. المصدر السابق.
