بعد أن ذکرت الآیة السابقة صلاة الخوف، وأکدت ضرورة إقامتها حتى فی جبهات الحرب، تحث الآیة (فإذا قضیتم الصلاة فاذکروا اللّه قیاماً وقعوداً وعلى جنوبکم فاذا اطمأننتم فأقیموا الصلاة إن الصلاة کانت على المؤمنین کتاباً موقوتا ) المسلمین على أن لا ینسوا ذکر الله بعد أداء الصّلاة، ولیذکروا الله حین قیامهم وقعودهم وأثناء نومهم على جنوبهم ولیسألوه العون والنصر، والقصد من ذکر الله فی حالة القیام والقعود والنوم على الجنبین، یحتمل أن یکون فی فترات الإستراحة التی تسنح للمسلمین وهم فی ساحة الحرب، کما یحتمل أن تکون فی الحالات المختلفة للقتال، أی أثناء وقوف المقاتل أو جلوسه أو استلقائه على أحد جنبیه وهو یقاتل بأحد أنواع الأسلحة الحربیة کالقوس والسهم مثلا.
إنّ هذه الآیة تشیر فی الحقیقة إلى أمر إسلامی مهم، یدل على أنّ أداء الصّلاة فی أوقات معینة لیس معناه أن ینسى الإنسان ذکر الله فی الحالات الاُخرى، فالصّلاة أمر انضباطی یحیی ویجدد روح التوجه إلى الله لدى الفرد، فیستطیع فی أوقات اُخرى غیر وقت الصّلاة أن یحتفظ بذکر الله فی ذهنه، سواء کان فی ساحة القتال أو فی مکان آخر.
وقد فسّرت هذه الآیة فی روایات عدیدة على أنّها تبیّن کیفیة أداء الصّلاة بالنسبة للمرضى، أی إنّهم إذا استطاعوا فلیؤدوا الصّلاة قیاماً، وإن لم یقدروا على ذلک فقعوداً، وإذا عجزوا عن القعود فعلى أحد جنبیهم.
وهذا التّفسیر فی الحقیقة نوع من التعمیم والتوسع فی معنى الآیة، ولو أنّها لا تخص هذا المجال (1).
وتؤکد هذه الآیة أنّ حکم صلاة الخوف هم حکم استثنائی طارىء، وعلى المسلمین إذا ارتفعت عنهم حالة الخوف أن یؤدّوا صلاتهم بالطریقة المعتادة (فإذا اطمأننتم فأقیموا الصّلاة... ).
وتوضح الآیة فی النهایة سرالتأکید على الصّلاة بقولها إن الصّلاة فریضة ثابتة للمؤمنین وأنّها غیر قابلة للتغییر: (... إنّ الصّلاة کانت على المؤمنین کتاباً موقوتاً ).
إنّ عبارة «موقوت» من ا لمصدر «وقت»، وعلى هذا الأساس فإن الآیة تبیّن أنّه حتى فی ساحة الحرب یجب على المسلمین أداء هذه الفریضة الإسلامیة، لأنّ للصّلاة أوقات محددة لا یمکن تخطیها. (2)
ولکن الروایات العدیدة التی وردت فی شرح هذه الآیة تبیّن أنّ عبارة «موقوتاً» تعنی «ثابتاً» (3) و«واجباً» (4) ممّا لا ینافی مفهوم الآیة أیضاً، والنتیجة هی أنّهما قریبین من المعنى الأوّل.
سؤال: یقول البعض: إنّهم لا ینکرون فلسفة وأهمّیة الصّلاة وآثارها التربویة، ولکنهم یسألون عن ضرورة إقامتها فی أوقات محددة، ویرون أنّ الأحسن أن یترک الناس أحراراً لکی یؤدّی کل منهم الصّلاة متى ما سنحت له الفرصة أو متى ما وجد استعداداً روحیاً لأداء هذه الفریضة؟
الجواب: إنّ التّجربة قد أثبت أنّ القضایا التربویة لو لم تخضع لشروط وقیود معینة، فإنّ العدید من الناس سیتجاهلون ویترکون هذه القضایا، وسیؤدّی هذا التجاهل إلى أن تتزلزل أرکانها، لذلک فإن القضایا التربویة یجب أن تخضع لقیود خاصّة ویخصص لأدائها أوقات محددة، وأن لا یسمح لأحد بتخطی هذه القیود أو تجاهل تلک الأوقات، خاصّة وإنّ أداء فریضة کالصّلاة وفی وقت معین وبصورة جماعیة یظهر عظمتها وهیبتها وتأثیرها القوی الذی لا یمکن لأحد نکرانه، والصّلاة فی الحقیقة من أهم العوامل فی تربیة الإنسان وتکوین شخصیته الإنسانیة.