إنّ الجهاد قانون عام فی عالم الخلیقة، فإنّ کل مخلوق سواء کان من النباتات أو الحیوانات یسعى لإزالة ما یعترض طریقه من موانع بواسطة الجهاد، لکی یستطیع کل واحد منهم بلوغ الکمال المطلوب فی التکوین.

وعلى سبیل المثال فجذر النبات الذی ینشط للحصول على الغذاء والطاقة بصورة دائمة، لو ترک نشاطه، هذا وکف عن السعی لإستحال علیه إدامة حیاته، ولذلک فإن هذا الجذر حین یعترض طریقه مانع فی عمق الأرض یحاول تخطیه بثقبه، والعجیب هنا أنّ الجذور الرقیقة تعمل فی مثل هذه الحالة کالمسمار الفولاذی فی ثقب الموانع التی تعترضها، فلو عجزت فی هذا المجال لحرفت طریقها واجتازت المانع عن طریق الإلتفاف حوله.

وفی داخل وجود الإنسان أیضاً وحتى فی ساعات النوم هناک صراع غریب ومستمر مادام الإنسان حیاً، وهو الصراع بین کریات الدم البیضاء والأجسام المعادیة المهاجمة، فلو أن هذا الصراع توقف لساعة واحدة وتخلّت الکریات البیض عن الدفاع، لتسلطت الجراثیم والمکروبات المتنوعة على کافة أجهزة جسم الإنسان ولعرضت حیاته إلى الخطر.

إنّ ما هو موجود فی أوساط المجتمعات والقومیّات والشعوب فی العالم من کفاح من أجل البقاء، هو عین ذلک الکفاح والجهاد الذی لمسناه فی النبات وفی جسم الإنسان.

وعلى هذا الأساس فإن کل من یواصل «الجهاد» و«المراقبة» تکون الحیاة من نصیبه وهو منتصر دائماً ـ أما الذین تلهیهم عن الجهاد الأهواء والملذّات والشهوات والأنانیة وحبّ الذات فلن ینالهم غیر الفناء والدمار عاجلا أو آجلا، وسیحل محلّهم أناس یمتازون بالحیویة والنشاط والکفاح الدؤوب.

وهذا هو الشیء الذی یؤکّد علیه رسول الله محمد (صلى الله علیه وآله) إذ یقول: «فمن ترک الجهاد ألبسه الله ذلا وفقراً فی معیشته، ومحقاً فی دینه، إنّ الله أعزّ أمّتی بسنابک خیلها ومراکز رماحها» (1).

ویقول النّبی (صلى الله علیه وآله) فی مناسبة اُخرى: «أغزوا تورثوا أبناءکم مجداً» (2).

أمّا أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) فهو یقول فی مستهل خطبته عن الجهاد «... فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أولیائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصینة، وجنّته الوثیقة، فمن ترکه رغبة عنه ألبسه الله ثواب الذّل وشملة البلاء، ودیث بالصغار والقماء...» (3).

ویجب الإلتفات إلى أنّ الجهاد لا یقتصر معناه على الحرب أو القتال المسلح، بل هو أیضاً کل سعی حثیث وجهد جهید یبذل من أجل التقدم نحو تحقیق الأهداف المقدسة ـ الإلهیّة ـ ومن هذا المنطلق فإنّه بالإضافة إلى الحروب الدفاعیة أو الهجومیة ـ أحیاناً ـ فإنّ الکفاح العلمی والمنطقی والاقتصادی والثقافی والسیاسی یعتبر نوعاً من الجهاد.

1. اصول الکافی، ج 5، ص 2; وسائل الشیعة، ج 15، ص 10.
2. المصدر السابق.
3. نهج البلاغه، الخطبة 27.