وردت روایات عدیدة تفید أنّ إثنتین من القبائل العربیة فی زمن النّبی (صلى الله علیه وآله)وهما قبیلتا «بنی ضمرة» و«أشجع» کانت إحداهما وهی قبیلة بنی ضمرة قد عقدت مع النّبی اتفاقاً بترک النزاع، وکانت القبیلة الثانیة حلیفة للقبیلة الاُولى دون أن تعقد مثل هذا الإتفاق مع النّبی (صلى الله علیه وآله)، وتقول الروایات إنّ بعض المسلمین أخذوا یشککون فی وفاء «بنی ضمرة» للمسلمین، واقترحوا على النّبی أن یهاجم هذه القبیلة قبل أن تبادر هی بالهجوم على المسلمین، فرد النّبی (صلى الله علیه وآله) قائلا:
«کلاّ، فإنّهم أبر العرب بالوالدین، وأوصلهم للرّحم، وأوفاهم بالعهد».
وبعد فترة علم المسلمون أنّ قبیلة «أشجع» وعلى رأسها «مسعود بن رجیلة» قد وصلت حتى مشارف المدینة، وهی فی سبعمائة رجل، فبعث النّبی (صلى الله علیه وآله) وفداً للتعرف على سبب مجیئهم إلى ذلک المکان، فأجابت هذه القبیلة بأنّها جاءت لکی تعقد اتفاقاً مع المسلمین مماثلا لإتفاق «بنی ضمرة» معهم، وما أن علم النّبی (صلى الله علیه وآله) بهذا الأمر حتى أمر أصحابه بأن یأخذوا مقداراً من التمر هدیة لهذه القبیلة، ثمّ التقى بهم النّبی (صلى الله علیه وآله) فأخبروه بأنّهم لعجزهم عن موازرة المسلمین فی قتال الأعداء، ولعدم رغبتهم فی المشارکة فی قتال ضد المسلمین، لما تربطهم بهم من صلة الجوار، لذلک یرومون عقد اتفاق أو میثاق مع المسلمین بتحریم العدوان بینهما، فنزلت الآیة المذکورة بهذا الشأن وهی تبیّن للمسلمین ما یجب
علیهم أن یفعلوه فی مثل هذه الحالة. (1)
ویقول مفسرون آخرون إنّ قسماً من هذه الآیة قد نزل فی شأن قبیلة «بنی مدلج» التی جاءت إلى النّبی (صلى الله علیه وآله) وأخبرته أنّها ترید الإتفاق معه على عدم اللجوء إلى العدوان فیما بینهما، وذلک لرغبتها فی البقاء على الحیاد تجاه المسلمین ودعوتهم. (2)