عواقب التّحریض على الخیر أو الشرّ

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة النساء / الآیة 85 سورة النساء / الآیة 86

لقد أشیر فی الآیة السابقة إلى أنّ کل إنسان مسؤول عن عمله وعمّا هو مکلّف بأدائه، ولا یُسأل أی إنسان عن أفعال الآخرین.

أمّا هذه الآیة فقد جاءت لکی تسدّ الطریق أمام کل فهم خاطىء للآیة السابقة، فبیّنت أنّ الإنسان إذا حرّض الغیر على فعل الخیر أو فعل الشر فینال نصیباً من ذلک الخیر أو الشر:

(من یشفع شفاعة حسنة یکن له نصیب منها ومن یشفع شفاعة سیئة یکن له کِفْلٌ منها ).

وهذا بحدّ ذاته ـ حثّ على دعوة الآخرین إلى فعل الخیر والتزام جانب الحق، ونهی الغیر عن فعل الشر، کما تبیّن هذه الآیة اهتمام القرآن بنشر الروح الاجتماعیة لدى المسلمین، ودعوتهم إلى نبذ الأنانیة أو الإنطوائیة، وإلى عدم تجاهل الآخرین، وذلک من خلال التواصی بالخیر والحق والتحذیر من الشرّ والباطل.

وکلمة «الشّفاعة» الواردة فی الآیة من «الشّفع» وهو ضم الشیء إلى مثله، وقد یکون هذا الضم أحیاناً فی عمل الإرشاد والهدایة، أی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وتکون الشفاعة السیئة أمراً بالمنکر ونهیاً عن المعروف.

وإذا حصلت الشفاعة للعاصین لإنقاذهم من نتائج أعمالهم السیئة، فهی بمعنى الإغاثة للعاصین اللائقین للشفاعة، بعبارة اُخرى قد تحصل الشفاعة قبل القیام بممارسة الذنب، فتعنی الإرشاد والنصح، کما تحصل بعد ارتکاب الذنب أو الخطأ، وتعنی ـ هنا ـ إنقاذ المذنب أو الخاطىء من عواقب ونتائج جریرته، وکلا الحالتین یصدق علیهما معنى ضم شیء إلى آخر.

ومع أنّ مفهوم الآیة عام شامل لکل دعوة إلى الخیر أو الشر، ولکن ورود الآیة ضمن آیات الدعوة إلى الجهاد یجعل معنى الشفاعة الحسنة دعوة النّبی (صلى الله علیه وآله) المسلمین إلى الجهاد، وحثّهم علیه، ویجعل معنى الشفاعة السیئة دعوة المنافقین المسلمین إلى ترک الجهاد وعدم المشارکة فیه، والآیة تؤکّد بأنّ کلا الشفیعین ینال نصیباً من شفاعته.

ثمّ إنّ ورود کلمة الشفاعة هنا ضمن الحدیث عن القیادة (القیادة إلى الحسنات أو إلى السیئات) قد یکون إشارة إلى أن حدیث القائد (قائد خیر کان أم قائد شرّ) لا یدخل قلوب الآخرین إلاّ إذا ألغوا کل امتیاز یفرقهم عن هؤلاء الآخرین، فلابدّ لهم أن یکونوا قرناء للناس ومنضمّین إلیهم کی تکون لهم الکلمة النافذة، وهذه مسألة هامة فی تحقیق الأهداف الاجتماعیة.

وما ورد من عبارة «أخوهم» أو «أخاهم» فی الحدیث عن الأنبیاء والرسل، ضمن آیات سور الشعراء والأعراف وهود والنمل والعنکبوت، إلاّ للإشارة إلى هذه المسألة.

والشیء الآخر الذی تجدر الإشارة إلیه هنا، هو أنّ القرآن أتى بعبارة «نصیب» لدى الحدیث عن الشفاعة الحسنة، بینما استخدم عبارة «کفل» حین تحدث عن الشفاعة السیئة، والفرق بین التعبیرین هو أنّ الاُولى تستخدم حین یکون الحدیث عن حصّة من الربح والفائدة والخیر، أمّا الثّانیة فتستخدم إذا کان الکلام عن الخسارة والضرر والشرّ، فالنصیب تعبیر عن نصیب الخیر، والکفل تعبیر عن حصّة الشرّ (1).

وهذه الآیة، تبیّن نظرة إسلامیة أصیلة إلى المسائل الاجتماعیة، وتصرّح أنّ الناس شرکاء فی مصائر ما یقوم به قسم منهم من أعمال عن طریق الشفاعة والتشجیع والتوجیه، من هنا فکل کلام أو عمل ـ بل کل سکوت ـ یؤدّی إلى تشجیع الآخرین على الخیر، فإنّ المشجع یناله سهم من نتائج ذلک العمل دون أن ینقص شیء من سهم الفاعل الأصلی.

فی حدیث عن الرّسول (صلى الله علیه وآله) قال: «من أمر بمعروف أو نهى عن منکر أو دل على خیر أو أشار به، فهو شریک، ومن أمر بسوء أو دل علیه أو أشار به، فهو شریک». (2)

ویبیّن هذا الحدیث الشریف ثلاث مراحل لدعوة الأشخاص إلى الخیر أو إلى الشر.

 

المرحلة الاُولى: الأمر، وهی الأقوى.

والثّانیة: الدلالة وهی الوسطى.

والثّالثة: الإشارة وهی المرحلة الضّعیفة.

وعلى هذا الأساس فإنّ حثّ الآخرین أو تحریضهم على ممارسة فعل معین، سیجعل للمحرض نصیباً من نتیجة هذا الفعل یتناسب ومدى قوّة التحریض وفق المراحل الثلاث المذکورة.

وبناء على هذه النظرة الإسلامیة، فإنّ مرتکبی الذنب لیسوا هم وحدهم مذنبین، بل یشترک فی الذنب معهم کل الذین شجعوا المرتکبین على ذنبهم، عن طریق وسائل الإعلام المختلفة أو إعداد الأجواء المساعدة، بل حتى عن طریق إطلاق کلمة صغیرة مشجعة، وهکذا الذین یقومون بمثل هذه الأعمال على طریق الخیرات ینالون سهمهم من نتائجها.

ویستشف من الأحادیث المرویة فی تفسیر هذه الآیة أنّ الشفاعة بکلا جانبیها تطلق ـ أیضاً ـ على الدعاء بالخیر أو بالشر للآخرین، وإنّ الدعاء للآخرین أو علیهم یعتبر نوعاً من الشفاعة لدى الله تعالى.

نقل عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «من دعا لأخیه المسلم بظهر الغیب أستجیب له وقال له الملک: فلک مثلاه، فذلک النصیب» (3).

ولا ینافی هذا التّفسیر ما تطرقنا إلیه سابقاً، بل یعتبر توسعاً فی معانی الشفاعة، فکل إنسان یقدم مساعدة لنظیره الإنسان، سواء کانت عن طریق الدعوة إلى فعل الخیرات أو الدعاء له أو عن أی طریق آخر، فسینال نصیباً من ثمار هذه المساعدة.

وبهذا الأسلوب من المشاطرة الفعلیة الخیرة یخلق الإسلام لدى الإنسان روحاً اجتماعیة تخرجه من أنانیته وإنطوائیته وتجعله یعتقد أن لن یصیبه ضرر إذا سعى فی حاجة أخیه الإنسان أو ساعد على تحقیق مصالح غیره، بل سیناله الخیر، وسیکون شریکاً لأخیه فیما سعى إلى تحقیقه له من مصالح ومنافع. والآیة ـ هذه ـ تؤکّد أیضاً حقیقة ثابتة اُخرى، وهی أنّ الله قادر على مراقبة الإنسان وتدوین ما یقوم به من أعمال، ثمّ محاسبته علیها، واثابته على خیرها، ومعاقبته على شرها (وکان الله على کل شیء مُقیتاً ).

 

وعبارة «مقیت» مشتقة من «القوت» وهو الغذاء الذی یساعد جسم الإنسان على البقاء وعلى هذا یکون «مقیت» اسم فاعل من باب افعال، وتعنی هنا الشخص الذی یعطی الآخرین قوتهم وغذاءهم، وهو بهذه الوسیلة یکون حافظاً لحیاتهم ولهذا تأتی کلمة «مقیت» بمعنى «حافظ» والحافظ یمتلک القدرة على الحفظ، ومن هنا تکون کلمة «مقیت» بمعنى «المقتدر» أیضاً، کما أنّ المقتدر یمتلک حساب من یعملون ضمن قدرته فتکون عندئذ کلمة «المقیت» بمعنى «الحسیب» أیضاً، وقد یکون معنى الکلمة فی الآیة شاملا لکل هذه المعانی.


1. «الکفل» هو عجز الحیوان ومؤخرته التی یصعب رکوبها ویشق، من هنا فکل ذنب وحصة ردیئة کفل، والکفالة کل عمل ینطوی على تعب وعناء.
2. وسائل الشیعة، ج 16، ص 124; وتفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 524.
3. تفسیر الصافی، ج 1، ص 476، ذیل الآیة مورد البحث.

 

سورة النساء / الآیة 85 سورة النساء / الآیة 86
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma