التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة النساء / الآیة 78 ـ 79 من أین تأتی الإنتصارات والهزائم؟

نستنتج من الآیات السابقة واللاحقة أنّ هاتین الآیتین تقصدان مجموعة من المنافقین تسللوا إلى صفوف المسلمین، وقد قرأنا فی الآیات السابقة أنّ هؤلاء قد أبدوا الخوف والقلق من المشارکة فی مسؤولیة الجهاد، وقد ظهر علیهم الضجر والإستیاء حین نزول حکم الجهاد، فردّ علیهم القرآن الکریم وأنّبهم لموقفهم هذا بقوله: (قل متاع الدنیا قلیل والآخرة خیر لمن اتقى ) (1) موضحاً أنّ الحیاة بکل زخارفها سرعان ما تزول، وأنّ ما یناله المؤمنون الذین یخشون الله ولا یعصونه من الخیر والثواب هو خیر من کل ما فی هذه الدنیا من خیرات.

وفی هذا المقطع القرآنی ردّ آخر على اُولئک المنافقین، حیث بیّن أنّ الموت آتیهم یوماً لا محالة، حتى إذا تحصنوا فی قلاع عالیة ومنیعة بحسب ظنّهم، ومادام الموت یدرک الإنسان بهذه الصورة ألیس من الخیر له أن یموت على طریق مثمر وصحیح کالجهاد؟!

وممّا یلفت الإنتباه أنّ القرآن الکریم یطلق فی مواقع متعددة اسم «الیقین» على الموت، کما فی الآیة 99 من سورة الحجر، والآیة 48 من سورة المدثر ـ ومعنى هذه العبارة القرآنیة هو أن الإنسان مهما کانت عقیدته ـ یؤمن بوجود الموت إیماناً لا یخامره فیه شک مطلقاً، ومهما أنکر المرء من حقائق لا یستطیع إنکار الموت الذی یشهده بأم عینه أو یسمع عنه کل یوم، والإنسان الذی یحب الحیاة ویخال أنّ الموت هو الفناء الذی لا حیاة بعده أبداً یخاف من ذکر الموت ویفر من مظاهره. (أینما تکونوا یدرککم الموت لو کنتم فی بروج مشیدة ).

الآیتان الأخیرتان تؤکدان حقیقة عدم جدوى الفرار من الموت، فهو یدرک الإنسان یوماً ما لا محالة، وهو حقیقة قطعیّة یقینیة فی عالم الوجود.

وعبارة (یدرککم ) الواردة فی الآیة الاُولى تعنی الملاحقة، واللاحق هو الموت الذی یدرک الإنسان، وتوحی بأنّ الفرار لا ینقذ الإنسان من هذا المصیر الحتمی.

وتؤکد الحقیقة المذکورة الآیة 8 من سورة الجمعة إذ تقول: (قل إنّ الموت الذی تفرّون منه فإنّه ملاقیکم ).

إذن لیس من العقل والمنطق أن یدرک الإنسان هذه الحقیقة ویفر بعد ذلک من میدان الجهاد، ویحرم نفسه أشرف میتة وهی الشهادة فی سبیل الله، فیموت على فراشه فلو عاش الإنسان بعد فراره من الجهاد أیّاماً أو شهوراً أو سنوات لتکرر ما فعل ولتکررت أمامه المشاهد الماضیة، فهل من العقل أن یحرم الإنسان نفسه لأجل هذه المتکررات من الثواب الأبدی الذی یناله المجاهد فی سبیل الله؟!

وهنا أمر ثان یجب الإنتباه له فی الآیة الاُولى من هاتین الآیتین، وهو عبارة (بروج مشیدة ) (2) التی تؤکّد أنّ الموت لا تحول دونه القلاع والحصون المنیعة العالیة، والسرّ فی هذا الأمر هو أنّ الموت الطبیعی لا یداهم الإنسان من خارج وجوده ـ خلافاً لما یتصورون ـ ولا یحتاج إلى اجتیاز القلاع والحصون، بل یأتی من داخل وجود الإنسان حیث تقف أجهزة الإنسان عن العمل بعد نفاذ قدرتها المحدودة على البقاء.

نعم، الموت غیر الطبیعی یأتی الإنسان طبعاً من خارج وجوده، وبذلک قد تنفع القلاع والحصون فی تأخیر هذا النوع من الموت عنه.

ولکن ماذا ستکون النهایة والنتیجة؟ هل بمقدور القلاع والحصون أن تحول دون وصول الموت الطبیعی الذی سیدرک الإنسان ـ دون شک ـ فی یوم من الإیّام؟!


1. النساء، 77.
2. «مشیدة» فی الاصل من مادة «شید» على وزن فیل، بمعنى الجص والمواد الاُخرى التی تستخدم لتقویة البنیان، وبما أنّ أکثر المواد استعمالا فی البناء فی تلک الازمنة هو الجص فانّ هذه الکلمة تطلق علیه عادة، فیکون معنى «بروج مشیدة» هو القلاع الرصینة والمتینة، وقد تستعمل ویراد بها المرتفعة والعالیة، وذلک أیضاً لنفس السبب لانّه من دون استخدام الجص لم یکن بالإمکان بناء تلک الأبنیة المرتفعة.

 

سورة النساء / الآیة 78 ـ 79 من أین تأتی الإنتصارات والهزائم؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma