قوم بضاعتهم الکلام دون العمل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سبب النّزولسورة النساء / الآیة 78 ـ 79

تتحدث الآیة بلغة التعجب من أمر نفر أظهروا رغبة شدیدة فی الجهاد خلال ظرف غیر مناسب، وأصرّوا على السماح لهم بذلک، وقد صدرت الأوامر لهم ـ حینئذ ـ بالصبر والاحتمال، ودعوا إلى إقامة الصلاة، وأداء الزکاة، وبعد أن سنحت الفرصة وآتت الظروف للجهاد بصورة کاملة وأمروا به، استولى على هؤلاء النفر الخوف والرعب، وانبروا یعترضون على الأمر الإلهی ویتهاونون فی أدائه.

تقول الآیة: (ألم تر إلى الذین قیل لهم کفوا أیدیکم وأقیموا الصلاة وآتوا الزکاة فلمّا کتب علیهم القتال إذا فریق منهم یخشون الناس کخشیة الله أو أشدّ خشیة ) فکان هؤلاء فی اعتراضهم على أمر الجهاد یقولون صراحة: لماذا أسرع الله فی إنزال أمر الجهاد؟ ویتمنون لو أخر الله هذا الأمر ولو قلیلا! أو یطلبون أن یناط أمر الجهاد للأجیال القادمة (1) (وقالوا ربّنا لم کتبت علینا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قریب ).

والقرآن الکریم یردّ على هؤلاء أوّلا من خلال عبارة: (یخشون الناس کخشیة الله أو أشدّ خشیة ) أی أن هؤلاء بدل أن یخافوا الله القادر القهار، أخذتهم الرّجفة واستولى علیهم الرعب من إنسان ضعیف عاجز، بل أصبح خوفهم من هذا الإنسان أکبر من خشیتهم الله العلی القدیر.

ثمّ یواجه القرآن هؤلاء بهذه الحقیقة: لو أنّهم استطاعوا بعد ترکهم الجهاد أن یوفّروا لأنفسهم ـ فرضاً ـ حیاة قصیرة رغیدة هانئة، فإنّهم سیخسرون هذه الحیاة لأنّها زائلة لا محالة، بینما الحیاة الأبدیة التی وعد الله بها عباده المؤمنین المجاهدین الذین یخشونه ولا یخشون سواه، هی خیر من تلک الحیاة الزائلة، وإن المتقین سیلقون فیها ثوابهم کاملا غیر منقوص دون أن یصیبهم أی ظلم، (قل متاع الحیاة الدنیا قلیل والآخرة خیر لمن اتقى ولا تظلمون فتیلا ) (2).

 

من الضروری الإلتفات إلى عدة نقاط فی تفسیر هذه الآیة، وهی:

السؤال الاوّل: لماذا اُمر اُولئک النفر بإقامة الصلاة وأداء الزکاة دون غیرهما من الفرائض الکثیرة الاُخرى؟

والجواب على هذا السؤال یتلخص فی أنّ الصلاة هی سر الإتصال بالله سبحانه عزّ وجل، والزکاة تعتبر مفتاحاً لباب الإتصال بعباد الله، وعلى هذا الأساس فقد صدرت الأوامر للمسلمین بأن یعدّوا أنفسهم وأرواحهم ومجتمعهم للجهاد فی سبیل الله، عن طریقة إقامة الصلة الوثیقة بینهم وبین الله وعباده، وبعبارة اُخرى أن یسعوا إلى بناء أنفسهم وإعدادها، وبدیهی أنّ أی جهاد یحتاج بالضرورة إلى إعداد النفس والروح، وإلى توثیق عُرى التلاحم الاجتماعی، وبدون ذلک لا یمکن إحراز أی انتصار.

والإنسان یقوی صلته بالله من خلال الصلاة ویربّی بها روحه ومعنویاته، فیکون بذلک مستعداً لتقدیم أغلى التضحیات بما فی ذلک التضحیة بالنفس، کما أنّ الزکاة هی الوسیلة الوحیدة لرأب کل صدع اجتماعی، بالإضافة إلى کونها دعماً اقتصادیاً فی سبیل إعداد ذوی الخبرة والتجربة والعُدة الحربیة، وما یحتاجه المسلمون فی قتال الأعداء لیکونوا على استعداد لمواجهة العدو إذا صدر الأمر إلیهم بذلک.

السؤال الثانى: المعروف أنّ حکم الزکاة ورد فی آیات نزلت فی المدینة (أی أنّها آیات مدنیة) ولم یکلف المسلمون بأداء الزکاة فی مکّة ـ فکیف إذن یمکن القول إنّ هذه الآیة تتحدث عن وضع المسلمین فی مکّة؟

والجواب: یجیب على هذا السؤال الشیخ الطوسی (رحمه الله) فی تفسیر «التّبیان» (3) فیقول: إنّ المقصود بالزکاة الواردة فی هذه الآیة هو الزکاة المستحبة التی کانت معروفة فی مکّة، أی أنّ القرآن المجید کان یحثّ المسلمین حتى فی مکّة على تقدیم المساعدات المالیة إلى مستحقیها ولدعم اقتصاد المجتمع الإسلامی الجدید فی مکّة.

وتشیر هذه الآیة الکریمة إلى حقیقة مهمة، هی أنّ المسلمین فی مکّة کان لهم منهج، ثمّ أصبح لهم فی المدینة منهج آخر، ففی مکّة انشغل المسلمون ببناء شخصیتهم الإسلامیة بعد أن تحرروا من أدران الجاهلیة، فکان سعی النّبی (صلى الله علیه وآله) فی مکّة منصباً على تربیة هؤلاء الذین نبذوا عبادة الأصنام لیجعل منهم أناساً یسترخصون النفس والنفیس فی مواجهة ما یعترض سبیل المسلمین من تحدیات، فما أحرزه المسلمون من انتصارات باهرة فی المدینة المنورة، کان حصیلة عملیة بناء الشخصیة الإسلامیة، هذه العملیة التی تعهدت بها رسالة الإسلام فی مکّة.

لقد تعلم المسلمون الکثیر فی مکّة ومارسوا تجارب جمّة واکتسبوا استعداداً روحیاً ومعنویاً عظیماً خلال العهد المکی، ودلیل هذا الأمر هو نزول قرابة التسعین سورة ـ من مجموع سور القرآن الکریم البالغة مائة وأربع وعشرة سورة ـ فی مکّة، وقد تناولت هذه السور فی الغالب الجوانب العقائدیة التربویة الخاصّة بإعداد الشخصیة الإسلامیة ـ أمّا فی المدینة فقد انصرف المسلمون إلى تشکیل الحکومة الإسلامیة وإقامة اُسس المجتمع الإسلامی السلیم.

ویدل هذه ـ أیضاً ـ على عدم نزول حکم الجهاد والزکاة الواجبین فی العصر المکی لأنّ الجهاد من واجبات الحکومة الإسلامیة مثل تشکیل بیت المال فإنّه من شؤون الحکومة الإسلامیة أیضاً.


1. تدل بعض الأحادیث أنّ هذا النفر من المسلمین کان قد سمع بحدیث نهضة المهدی المنتظر، فکان البعض منهم یترقب أن یؤخر الجهاد إلى زمن المهدی (علیه السلام)، تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 518.
2. «الفتیل» یعنی الشعیرة الرفیعة جدّاً الموجودة بین فلقتی نواة التّمر، وقد تطرقنا إلى شرح ذلک فی الآیة 49 من سورة النساء من تفسیرنا هذا.
3. تفسیر التبیان، ج 3، ص 261.

 

سبب النّزولسورة النساء / الآیة 78 ـ 79
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma