بعد صدور الأمر العام إلى المسلمین بالجهاد والاستعداد لمقابلة العدوّ فی الآیة السابقة تبیّن هاتان الآیتان موقف المنافقین من الجهاد، وتفضح تذبذبهم، فهم یصرّون على الإمتناع عن المشارکة فی صفوف المجاهدین فی سبیل الله... (وإن منکم (1) لمن لیبطّئن (2) ).
وحین یعود المجاهدون من میدان القتال أو حین تصل أنباء معارکهم، فإن کان قد أصابهم مکروه فی قتالهم یتحدث المنافقون بابتهاج بأنّ الله قد أنعم علیهم نعمة کبیرة إذ لم یشارکوا المجاهدین فی ذلک القتال، ویفرحون لعدم حضورهم فی مشاهد الحرب الرهیبة (فإن أصابتکم مصیبة قال قد أنعم الله علیّ إذ لم أکن معهم شهیداً ).
وحین تصل الأخبار بانتصار المسلمین المجاهدین ونیلهم المغانم، یتبدل موقف هؤلاء المنافقین فتبدو الحسرة علیهم ویظهر الندم على وجوههم، ویشرعون ـ وکأنّهم غرباء لا تربطهم بالمسلمین أیة رابطة ـ بتردید عبارات التأسف: (ولئن أصابکم فضل من الله لیقولنّ کأن لم تکن بینکم وبینه مودّة یالیتنی کنت معهم فأفوز فوزاً عظیماً ).
فی الآیة إشارة إلى المفهوم المادی للنصر فی نظر المنافقین، فالذی یرى الشهادة والقتل فی سبیل الله مصیبةً وبلاءً، ویخال النجاة من القتل أو الشهادة فی هذه السبیل نعمة إلهیة، لا ینظر إلى النصر والفوز إلاّ من خلال منظار کسب الغنائم والمتاع المادی لا غیر.
هؤلاء المتلونون الموجودون ـ مع الأسف ـ فی کل المجتمعات، سرعان ما یغیرون أقنعتهم تجاه ما یواجهه المؤمنون من نصر أو هزیمة، هؤلاء لا یشارکون المؤمنین فی معاناتهم ولا یساعدونهم فی الملمات، لکنّهم یتوقعون أن یکون لهم فی الإنتصارات السّهم الأوفى، وأن یحصلوا على ما یحصل علیه المجاهدون المؤمنون من إمتیازات.