یقول سبحانه: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فریضة ) أی إنّه یجب علیهم دفع أجور النساء اللاتی تستمتعون بهنّ، وهذا القسم من الآیة إشارة إلى مسألة الزواج المؤقت أو ما یسمّى بالمتعة، ویستفاد منها أنّ أصل تشریع الزواج المؤقت کان قطعیاً ومسلماً عند المسلمین قبل نزول هذه الآیة، ولهذا یوصی المسلمون فی هذه الآیة بدفع أجورهنّ.

وحیث إنّ البحث فی هذه المسألة من الأبحاث التّفسیریة والفقهیة والاجتماعیة المهمّة جداً یجب دراستها من عدّة جهات هی:

1ـ القرائن الموجودة فی هذه الآیة التی تؤکّد دلالتها على الزواج المؤقت.

2ـ إنّ الزواج المؤقت کان فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله) ولم ینسخ.

3ـ الحاجة بل والضرورة الاجتماعیة إلى هذا النوع من الزواج.

4ـ الإجابة على بعض الإشکالات.

وأمّا بالنسبة إلى النقطة الاُولى فلابدّ من الإلتفات إلى اُمور:

أوّلا: إنّ کلمة المتعة التی اشتق منها لفظة «استمتعتم» تعنی الزواج المؤقت، وبعبارة اُخرى المتعة حقیقة شرعیة فی هذا النوع من الزواج، ویدل على ذلک أنّ هذه الکلمة استعملت فی هذا المعنى نفسه فی روایات النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وکلمات الصحابة مراراً وتکرار(1).

ثانیاً: إنّ هذه اللفظة إذا لم تکن بالمعنى المذکور یجب أن تفسّر حتماً بمعناها اللّغوی وهو «الإنتفاع» فیکون معنى هذا المقطع من الآیة هکذا: «إذا انتفعتم بالنساء الدائمات فادفعوا إلیهنّ أجورهنّ» فی حین أنّنا نعلم إن دفع الصداق والمهر غیر مقید ولا مشروط بالإنتفاع بالزوجات الدائمات بل یجب دفع تمام المهر ـ بناء على ما هو المشهور(2) بین الفقهاء ـ أو نصفه على الأقل إلى المرأة بمجرّد العقد للزواج الدائم علیها.

ثالثاً: إنّ کبار «الصحابة» و«التابعین»(3) مثل ابن عباس العالم (المفسّر الإسلامی الکبیر) وأبی بن کعب، وجابر بن عبد الله الأنصاری، وعمران بن الحصین، وسعید بن جبیر، ومجاهد، وقتادة والسدی، وجماعة کبیرة من مفسّری أهل السّنة، وجمیع مفسّری أهل البیت، فهموا من الآیة الحاضرة حکم الزواج المؤقت إلى درجة أنّ الفخر الرازی ـ رغم ما عهد عنه من التشکیک الکثیر فی القضایا المرتبطة بالشیعة وعقائدهم قال بعد بحث مفصل: والذی یجب أن یعتمد علیه فی هذا الباب أن نقول أنّها منسوخة وعلى هذا التقدیر فلو کانت هذه الآیة دالة على أنّها مشروعة لم یکن ذلک قادحاً فی غرضنا، وهذا هو الجواب أیضاً عن تمسکهم بقراءة أبی وابن عباس فإنّ تلک القراءة بتقدیر ثبوتها لا تدل إلاّ على أنّ المتعة کانت مشروعة، ونحن لا ننازع فیه، إنّما الذی نقوله أن النسخ طرأ علیه.

رابعاً: اتفق أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) وهم أعلم الناس بأسرار الوحی، على تفسیر الآیة المذکورة بهذا المعنى (أی بالزواج المؤقت) وقد وردت فی هذا الصعید روایات کثیرة منها.

ما عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنّة من رسول الله»(4).

وعن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال فی جواب سؤال أبی بصیر حول المتعة: نزلت فی القرآن (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فریضة )(5).

وعن الإمام الباقر(علیه السلام) أیضاً أنّه قال: فی جواب عبد الله بن عمیر اللیثی الذی سأل عن المتعة: «أحلّها الله فی کتابه وعلى لسان نبیّه فهی حلال إلى یوم القیامة»(6).

1. راجع تفاسیر کنز العرفان ومجمع البیان ونورالثقلین والبرهان.
2. المشهور أو الأشهر وجوب تمام المهر بمجرّد عقد الزواج الدائم وإن کان الطلاق قبل الدخول یوجب إعادة نصفه إلى الزوج.
3. «التابعون» هم الذین جاؤوا بعد الصحابة ولم یدرکوا عهد النّبی(صلى الله علیه وآله).
4. تفسیر البرهان، ج 1، ص 360; اصول الکافی، ج 5، ص 449.
5. تفسیر البرهان، ج 1، ص 360; اصول الکافی، ج 5، ص 449.
6. المصدر السابق.