فی کتاب الإرث نقف على بحثین أحدهما تحت عنوان «العول»، والآخر تحت عنوان «التعصیب» وهما حالتان تعرضان لمسألة الإرث عندما تکون الأسهم المذکورة فی الآیات المتقدمة أقل من الترکة أحیاناً، أو أکثر أحیاناً اُخرى.
وللمثال نقول: إذا ترک المیت اُختین من جانب الأب والاُمّ، وزوجاً، ورثت الاُختان ثلثی المال وورث الزوج النصف، فیکون المجموع 67 أی بزیادة 61 على مجموع المال، وهنا یطرح السؤال التالی وهو: ننقص هذا السدس الزائد 61 من جمیع الورثة ـ حسب سهامهم ـ وبصورة عادلة، أم یجب أن تنقص من نصیب أشخاص معینین خاصّة؟
المعروف عن علماء السنة أنّهم یذهبون إلى إدخال النقص على جمیع الورثة، وسمّى الفقهاء هذا القسم عولا، لأنّ العول یعنی فی اللغة الإرتفاع والزیادة.
ففی المثال الحاضر یقول فقهاء السنة: إنّ السدس الزائد یجب أن یقسم على الجمیع، وأن ننقص من جمیع الورثة من کل واحد حسب سهمه(1)، وهکذا یکون العمل فی الموارد الاُخرى، وفی الحقیقة ینزل الورثة ـ هنا ـ منزلة الغرماء الذین لا تفی أموال المفلس بتسدید دیونهم جمیعاً وبصورة کاملة، فهنا یدخل النقص على جمیع الغرماء بنسب متناسبة مع مقادیر دیونهم.
ولکن فقهاء الشیعة یذهبون فی هذا المجال مذهباً آخر، فهم یدخلون النقص على أشخاص معنیین، لا على جمیع الورثة.
فهم فی المثال الحاضر، مثلا یدخلون النقص على الاُختین، ویقولون کما جاء فی حدیث شریف: «إن الذی أحصى رمل عالج ـ أی المتراکم من الرمل الداخل بعضه فی بعض ـ لیعلم أنّ السهام لا تعول» أی لا تتعدى الأسهم ولا تؤول إلى الکسر، فلابدّ أن یکون سبحانه قد وضع لمثل هذه الحالة قانوناً، وذلک هو أن بین الورثة الذین ذکرهم القرآن الکریم من له سهم ثابت من حیث الأقل أو الأکثر کالزوج والزوجة والأب والاُمّ، ومن لیس له سهم کذلک کالاُختین والبنتین، ومن هنا نفهم أنّ النقص یجب أن یدخل دائماً على من لیس له سهم محدد فی جانب القلّة أو الکثرة (أی الذی لیس له حدّ أقل أو حدّ أکثر معین) أی الذی یکون عرضة للتغیر والاضطراب، ولهذا لا یدخل النقص المذکور على سهم الزوج، فهو یرث سهمه من الترکة وهو النصف بلا نقصان بسبب العول، وإنّما یدخل النقص على سهم الاُختین فقط (فلاحظ ذلک بدقّة).
وقد یکون مجموع الأسهم أقلّ من مجموع المال ـ فیفضل شیء من المال بعد أخذ کل واحد من أفراد الطبقة الوارثة فرضه.
فمثلا إذا توفی رجلا وخلف بنتاً واحدة واُمّاً، فإن سهم الأم هو 61 وسهم البنت هو 63 فیکون مجموع الأسهم هو 64 أی یفضل 62 من المال، فی هذه الصورة یذهب علماء السنة وفقهاؤهم إلى إعطاء هذا الفاضل من الترکة إلى عصبة المیت(2) وهم رجال الطبقة الثانیة من الإرث (کالاُخوة) ویسمى هذا القسم بالتعصیب.
ولکن فقهاء الشیعة یذهبون إلى أنّ ذلک الفاضل یجب أن یقسّم بین الوارثین المذکورین أی بنسبة 1 و3، لأنه مع وجود الطبقة السابقة لا تصل النوبة إلى الطبقة اللاّحقة، هذا مضافاً إلى أن إعطاء الفاضل من الترکة إلى رجال الطبقة اللاّحقة یشبه ما کان سائداً فی العهد الجاهلی حیث تحرم النساء من الإرث.
هذا والبحث الراهن من الأبحاث العلمیة المعقدة، وقد أعطینا هنا خلاصة موضحة منه تبعاً للحاجة، وأمّا التفصیل فموکول إلى محله فی الکتب الفقهیة المفصّلة.