التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
سورة آل عمران / الآیة 200

هذه الآیة هی آخر الآیات من سورة آل عمران، وتحتوی على برنامج یتکون من أربع نقاط لعامّة المسلمین، وهی لذلک تبدأ بتوجیه الخطاب إلى المؤمنین إذ تقول: (یا أیّها الذین آمنوا ).

(اصبروا ) إنّ أوّل مادة فی هذا البرنامج الذی یکفل عزّة المسلمین وإنتصارهم هو الاستقامة والثبات، والصبر فی وجه الحوادث الذی هو ـ فی الحقیقة ـ أصل کلّ نجاح مادی، وعلّة کل إنتصار معنوی، وهو الأمر الذی یستحق حدیثاً مفصلا لما له من أثر جدّ مهم فی الإنتصارات والنجاحات الفردیة والاجتماعیة، وهو الذی قال عنه الأِمام علی (علیه السلام) فی حکمه وکلماته القصار: «إن الصبر من الإیمان کالرأس من الجسد». (1)

(وصابروا ) وهی من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والاستقامة والثبات فی مقابل صبر الآخرین وثباتهم واستقامتهم.

وعلى هذا فإن القرآن یوصی المؤمنین أوّلا بالصبر والاستقامة (التی تشمل کل ألوان الجهاد، کجهاد النفس، والاستقامة فی مواجهة مشاکل الحیاة)، ثمّ یوصی ثانیاً بالصبر والثبات والاستقامة أمام الأعداء، وهذا بنفسه یفیّد أنّ الاُمّة ما لم تتغلب وتنتصر فی جهادها مع النفس، وفی إصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلیة یستحیل إنتصارها على الأعداء، وهذا یعنی أنّ أکثر هزائمها أمام أعدائها إنّما هی بسبب ما لحق بها من هزائم فی جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات فی إصلاح نقاط الضعف التی تعانی منها.

کما وأنّه یستفاد من هذا التعلیم «صابروا» أنّ على المسلمین أن یضاعفوا من صبرهم ومن ثباتهم کلما ضاعف العدو من صبره وثباته ومقاومته وعناده.

(ورابطوا ) وهذه العبارة مشتقة من مادة «الرباط» وتعنی ربط شیء فی مکان (کربط الخیل فی مکان)، ولهذا یقال لمنزل المسافرین «الرباط»، ویقال أیضاً ربط على قلبه بمعنى أنّه أعطاه السکینة، وملأه بالطمأنینة وکأن قلبه انشدّ إلى مکان، وارتکز على رکن وثیق، و«المرابطة» بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فیها یربط الجنود أفراسهم.

وهذه العبارة أمر صریح إلى المسلمین بأن یکونوا على استعداد دائم لمواجهة الأعداء، وأن یکونوا فی حالة تحفّز وتیقظ ومراقبة مستمرة لثغور البلاد الإسلامیة وحدودها حتى لا یفاجؤا بهجمات العدوّ المباغتة، کما أنّه حثّ على التأهب الکامل لمواجهة الشیطان، والأهواء الجامحة حتى لا تباغتهم وتأخذهم على حین غرّة وغفلة، ولهذا جاء فی بعض الأحادیث عن الإمام علی (علیه السلام) تفسیر المرابطة بانتظار الصلاة بعد الصلاة، (12) لأنّ من حافظ على یقظة روحه وضمیره بهذه العبادات المستمرة المتلاحقة، کان کالجندی المتأهب لمواجهة الأعداء على الدّوام.

وخلاصة القول: إنّ للمرابطة معنىً وسیعاً یشمل کل ألوان الدفاع عن النفس والمجتمع.

ثمّ إنّ هناک فی الفقه الإسلامی باباً خاصّاً ـ فی کتاب الجهاد ـ تحت عنوان «المرابطة» بمعنى الاستعداد والتأهب الکامل فی الثغور لحراستها وحمایتها وحفظها أمام حملات الأعداء الاحتمالیة، وقد ذکرت لها أحکام خاصّة یقف علیها کل من راجع الکتب الفقهیة.

هذا وقد أطلق على العلماء ـ کما فی بعض الأحادیث ـ صفة المرابط، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): «علماء شیعتنا مرابطون فی الثغر الذی یلی إبلیس وعفاریته، ویمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شیعتنا وعن أن یتسلط علیهم إبلیس...» (3) .

وتعتبر نهایة هذا الحدیث، العلماء أعلى مکانة من الجنود والقادة الذین یحرسون الثغور ویذبون عنها أعداء الإسلام، وما ذلک إلاّ أنّ العلماء حماة الدین وحرّاسه والأمناء المدافعون عن القیم الإسلامیة، والجنود حماة الثغور الجغرافیّة، ومن الثابت المسلّم به أنّ الثغور الفکریة والثقافیة لاُمّة من الأمم لو تعرّضت لکید الأعداء، ولم تستطع الذّب عنها بنجاح، فإنّها سرعان ما تصیبها الهزائم العسکریة والسیاسیة أیضاً.

(واتّقوا الله ) وهذا بالتالی آخر التعالیم والأوامر فی هذا البرنامج، وهو بمثابة المظلة الواقیة لما سبقها من التعالیم أنّه حثّ على التقوى، ولابدّ للاستقامة والمصابرة والمرابطة من أن تمتزج بعنصر التقوى، ولا یشوبها شیء من أنانیة أو ریاء أو أغراض شخصیة.

(لعلّکم تفلحون ) وهکذا تختم الآیة هذا البرنامح بذکر النّتیجة التی تنتظر کلّ من یطبق هذا البرنامج، إنّه الفلاح والنجاح الذی یمکنکم الوصول إلیه عبر الأخذ بهذه التعالیم والأوامر، وإلاّ فلن تحصلوا على شیء من النجاح والانتصار.

سؤال: هناک سؤال یطرح نفسه وهو: لماذا تبدأ بعض العبارات والجمل القرآنیة بلفظة «لعل» مثل قوله تعالى (لعلّکم تفلحون )، و (لعلّکم تتقون )، و (لعلّکم ترحمون ) وهی کما نعلم تفید التردید الذی لا یلیق بالله سبحانه العالم بکل شیء؟

وقد صارت هذه المسألة ذریعة بأیدی بعض أعداء الإسلام الذین انطلقوا یقولون: إنّ الإسلام لا یعطی وعوداً قطعیة بالثواب، فوعوده مرددة غیر مجزوم بها، لأنّها تبدأ ـ فی أغلبها ـ بلعلّ.

الجواب: من حسن الإتفاق أن هذا النمط من التعبیر یشکّل جانباً من عظمة هذا الکتاب العزیز، وواقعیته فی النظرة إلى الاُمور وفی بیانها، ذلک لأنّ القرآن استخدم هذه اللفظة فی کل مقام یتوقّف الإستنتاج فیه على شرائط ومقدمات قد أشار إلیها ولوّح بها إجمالا بلفظة «لعل».

فالسکوت عند الإستماع إلى القرآن والإنتباه والتوجه إلى ألفاظ الآیات القرآنیة مثلا لا یکفی ـ بمجرده ـ لإحراز الرحمة الإلهیّة، بل لابدّ من فهم الآیات ودرک معانیها، ومقاصدها، وتطبیق توصیاتها، وتعالیمها وأوامرها ونواهیها، ولهذا یعلق سبحانه شمول الرحمة بقوله: (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّکم ترحمون ) (4) .

وعلى هذا الأساس لو کان القرآن یقول أنّکم سترحمون حتماً کان بعیداً عن الواقعیة، لأنّ لتحقق هذا الموضوع کما قلنا شرائط اُخرى أیضاً، فیکون التعبیر الجازم تجاهلا لهذه الشرائط، ولکنّه إذا قال «لعلّکم» فإنّه یکون قد أخذ تلک الشرائط بنظر الاعتبار وحسب لها حسابها.

بید أنّ عدم الإلتفات إلى هذه الحقیقة جرّ البعض إلى الإعتراض على مثل هذا التعبیر فی الآیات القرآنیة إلى درجة أنّ بعض علمائنا ـ أیضاً ـ ذهب إلى القول بأن «لعل» لیست مستعملة فی مثل هذه الموارد فی معناها الحقیقی، وهذا کما ترى خلاف للظاهر دونما دلیل.

وفی المقام نجد الآیة الحاضرة مع أنّها أشارت إلى أربع نقاط من أهم التعالیم الإسلامیة، ولکن حتى لا یغفل المسلمون عن بقیة البرامج والتعالیم الإسلامیة البناءة استخدمت کلمة «لعل» للإیذان بأنّ هناک أیضاً من الظروف والشرائط ما له دخل فی تحقق هذه الرحمة ینبغی أن تؤخذ بعین الإعتبار.

وعلى کلّ حال لو أن المسلمین الیوم جعلوا الآیة الحاضرة شعارهم ومنهجهم فی حیاتهم الیومیة وطبّقوا مفادها لانحل الکثیر من مشاکلهم التی یعانون منها الآن بشدّة.

إنّ الضربات الموجعة التی یتلقّاها الإسلام والمسلمون الیوم لیست ـ فی الحقیقة ـ إلاّ بسبب تجاهل هذه التوصیات الإسلامیة الأربع أو تناسیها کلّها أو بعضها.

ولو أنّ المسلمین أعادوا إلى نفوسهم روح الثبات والإستقامة، ولو أنّهم ضاعفوا جهودهم فی مقابل مضاعفة الأعداء لجهودهم، ولو أنّهم ـ حسب ما فی هذه الآیة ـ شدّدوا من مراقبتهم للثغور الجغرافیة والفکریة والاعتقادیة وحافظوا على حالة الاستعداد والتأهب الدائمة لمواجهة أی خطر داهم، أو أی عدوّ مباغت، ولو أنّهم ـ فوق کل هذا ـ تسلّحوا بسلاح التقوى والورع، أفراداً وجماعات، وطهّروا بیئتهم من أدران الفساد لضمنوا النصر والظفر.

رباه، وفقنا جمیعاً للأخذ بتعالیم کتابک السماوی العزیز فی حیاتنا، وجد علینا برحمتک الواسعة، ومنَّ علینا بلطفک.

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة آل عمران


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 82.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث; ووسائل الشیعة، ج 4، ص 117.
3. الإحتجاج للطبرسی، ج 1، ص 17; وبحارالانوار، ج 2، ص 5.
4. الأعراف، 204.

 

سورة آل عمران / الآیة 200
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma