إنّ الآیة الحاضرة وإن کانت قد وردت بحق أهل الکتاب (من الیهود والنصارى) إلاّ أنّها فی الحقیقة تحذیر وإنذار لکل علماء الدین ورجاله بأن علیهم أن یجتهدوا فی تبلیغ الحقائق وبیان الأحکام الإلهیة، وتوضیحها وإظهارها بجلاء، وإن ذلک ممّا کتبه الله علیهم، وأخذ منهم میثاقاً مؤکداً وغلیظاً.
إنّ کلمة «لتبیّننه» وما اشتقت منه فی أصل اللغة فی هذه الآیة تکشف عن أنّ المقصود لیس هو فقط تلاوة آیات الله أو نشر ما احتوت علیه الکتب السماویة من کلمات وعبارات، بل المقصود هو عرض ما فیها من الحقائق على الناس، وجعلها فی متناول الجمیع بوضوح ودون غبش لیقف علیها الناس أجمعون من دون إبهام، ویتذوقونها بأرواحهم وأفئدتهم دون أیّة حجب وسدود.
فالذین یتقاعسون أو یقصرون فی عرض الحقائق الإلهیة وبیانها وتوضیحها للمسلمین لا شک تشملهم هذه الآیة، وینالهم نفس المصیر الذی ذکره الله فیها لعلماء الیهود وأحبارهم.
فقد روى عن النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)ـ أنّه قال: «من کتم علماً عن أهله ألجم یوم القیامة بلجام من نار». (1)
وعن الحسن بن عمار قال: أتیت الزهری بعد أن ترک الحدیث فألفیته على بابه فقلت: إن رأیت أن تحدّثنی فقال: أو ما علمت أنّی ترکت الحدیث، فقلت: إمّا أن تحدّثنی وإمّا أن أحدثک؟ فقال: حدّثنی فقلت: حدّثنی الحکم بن عیینة عن نجم الجزار قال: سمعت علی بن أبی طالب (علیه السلام) یقول:«ما أخذ الله على أهل الجهل أن یتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن یعلموا».(2)
قال: فأطرق برأسه ملیاً بعد أن سمع قولی ثمّ قال: اسمع لأحدثک، فحدثنی أربعین حدیثاً. (3)
هذا وللتعرف ـ بصورة أکبر ـ على خیانات أحبار الیهود وعلماء النصارى، راجع الآیات 79 و174 من سورة البقرة، والآیات 71 إلى 77 من سورة آل عمران.