(لتبلونّ فی أموالکم وأنفسکم ) أجل إنّ هذه الحیاة ـ أساساً ـ ساحة اختبار ودار امتحان، فلابدّ أن یتهیأ الإنسان لمواجهة کل الحوادث والمفاجئات الصعبة العسیرة، وهذا فی الحقیقة تنبیه وتحذیر لجمیع المسلمین بأن لا یظنوا بأنّ الحوادث العسیرة فی حیاتهم قد انتهت، أو أنّهم قد تخلصوا من أذى الأعداء، وسلاطة لسانهم بمجرد قتلهم لکعب بن الأشرف الشاعر السلیط اللسان الذی کان یؤذی المسلمین بلسانه، وشعره.
ولهذا قال سبحانه: (ولتسمعنّ من الذین أوتوا الکتاب من قبلکم ومن الذین أشرکوا أذًى کثیراً ).
إنّ مسألة التعرض لأذى المشرکین اللسانی وسبهم وشتمهم وهجائهم وإن کانت من إحدى الإبتلاءات التی جاء ذکرها فی مطلع الآیة، ولکنه ذکر هنا بخصوصه للأهمیة الفائقة، لأنّ مثل هذا قلّما یتحمله الشرفاء من الناس لعظیم أثره فی أرواحهم ونفوسهم، ومن قدیم قال الشاعر:
جراحات السنان لها التیام *** ولا یلتام ما جرح اللسان
ثمّ إنّه سبحانه عقب على هذا الإنذار والتنبیه بقوله: (وإن تصبروا وتتّقوا فإنّ ذلک من عزم الاُمور ).
وبهذا یبیّن القرآن وظیفة المسلمین وواجبهم فی أمثال هذه الحوادث الصعبة والظروف العسیرة، ویدعوهم إلى الصبر والاستقامة والصمود والتزام التقوى فی مثل هذه الحوادث معلناً بأن هذه الاُمور من الاُمور الواضحة النتائج، ولذلک یتعین على کل عاقل أن یتخذ موقفه منها.
والعزم فی اللغة هو «القرار المحکم» وربّما یطلق على مطلق الاُمور المحکمة، وعلى هذا فإن «عزم الاُمور» یعنی الأعمال البیّنة الرشد التی یجب على کل إنسان عاقل العزم علیها أو بمعنى کل أمر محکم یطمأن إلیه.
واقتران الصبر بالتقوى فی هذه الآیة لعله إشارة إلى أنّ بعض الأشخاص قد یصبرون ولکنهم مع ذلک یظهرون الشکوى، ویبدون التبرم بما لقوا، ولکن المؤمنین الصادقین هم الذین یمزجون الصبر بالتقوى دائماً وأبداً ویتجنبون مثل ذلک السلوک.