التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
سبب النّزولسورة آل عمران / الآیة 183 ـ 184

تقول الآیة الاُولى (لقد سمع الله قول الّذین قالوا إنّ الله فقیر ونحن أغنیاء ).

أی لو أنّ هؤلاء استطاعوا أنْ یخفوا عن الناس مقالتهم هذه فإنّ الله قد سمعها ویسمعها حرفاً بحرف فلا مجال لإنکارها، فهو یسمع ویدرک حتى ما عجزت أسماع الناس عن سماعها من الأصوات الخفیة جدّاً أو الأصوات العالیة جداً: (لقد سمع الله قول الّذین قالوا إنّ الله فقیر ونحن أغنیاء ).

إذن فلا فائدة ولا جدوى فی الإنکار، ثمّ یقول سبحانه: (سنکتب ما قالوا ) أی إنّ ما قالوه لم نسمعه فحسب، بل سنکتبه جمیعه.

ومن البدیهی أنّ المراد من الکتابة لیس هو ما تعارف بیننا من الکتابة والتدوین، بل المراد هو حفظ آثار العمل التی تبقى خالدة فی العالم حسب قانون بقاء «الطاقة ـ المادة».

بل وحتى کتابة الملائکة الموکّلین من قبل الله بالبشر لضبط تصرفاتهم، هو الآخر نوع من حفظ العمل الذی هو مرتبة أعلى من الکتابة المتعارفة.

ثمّ یقول: (وقتلهم الأنبیاء بغیر حقّ ) أی إنّنا لا نکتفی بکتابة مقالاتهم الکافرة الباطلة فحسب، بل سنکتب موقفهم المشین جداً وهو قتلهم للأنبیاء.

یعنی أنّ مجابهة الیهود، ومناهضتهم للأنبیاء لیس بأمر جدید، فلیست هذه هی المرّة الاُولى التی یستهزء بها الیهود برسول من الرسل، فإنّ لهم فی هذا المجال باعاً طویلا فی التاریخ، وصفحة ملیئة بنظائر هذه الجرائم والمخازی، فإنّ جماعة بلغت فی الدناءة والشراسة والوقاحة والجرأة أن قتلت جماعة من رسل الله وأنبیائه، فلا مجال للإستغراب من تفوهها بمثل هذه الکلمات الکافرة.

ویمکن أن یقال فی هذا المقام: إنّ قتل الإنبیاء مسألة لم ترتبط بالیهود فی عصر الرسالة المحمّدیة، فلماذا حمل وزرها علیهم؟ ولکننا نقول ـ کما أسلفنا أیضاً ـ أنّ هذه النسبة إنّما صحّت لأنّهم کانوا راضین بما فعله وإرتکبه أسلافهم من الیهود، ولهذا اُشرکوا فی إثمهم ووزرهم وفی مسؤولیتهم عن ذلک العمل الشنیع.

وأمّا تسجیل وکتابة أعمالهم فلم یکن أمراً اعتباطیاً غیر هادف، بل کان لأجل أن نعرضها علیهم یوم القیامة، ونقول لهم: ها هی نتیجة أعمالکم قد تجسدت فی صورة عذاب محرق: (ونقول ذوقوا عذاب الحریق ).

إنّ هذا العذاب الإلیم الذی تذوقونه لیس سوى نتیجة أعمالکم، فأنتم ـ أنفسکم ـ قد

ظلمتم أنفسکم (ذلک بما قدّمت أیدیکم (1) وأنّ الله لیس بظلاّم للعبید ).

بل لو أنّکم وأمثالکم من المجرمین لم تنالوا جزاء أعمالکم ولم تروها باُمّ أعینکم، ووقفتم فی عداد الصالحین لکان ذلک غایة فی الظلم، ولو أنّ الله سبحانه لم یفعل ذلک لکان ظلاماً للناس.

ولقد نقل عن الإمام علی (علیه السلام) فی نهج البلاغة أنّه قال: «وأیم الله ما کان قوم قط فی غض نعمة من عیش فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها لأن الله لیس بظلام للعبید». (2)

إنّ هذه الآیة تعدّ من الآیات التی تفنّد ـ من جهة ـ مقولة الجبریین، وـ تعمم ـ من جهة اُخرى ـ أصل ـ العدالة وتسحبه على کل الأفعال الإلهیّة، فتکون جمیعاً مطابقة للعدالة.

وتوضیح ذلک: إنّ الآیة الحاضرة تصرّح بأنّ کلّ جزاء ـ من ثواب أو عقاب ـ ینال الناس من جانب الله سبحانه فإنّما هو جزاء أعمالهم التی إرتکبوها بمحض إرادتهم واختیارهم (ذلک بما قدّمت أیدیکم ).

وتصرّح من جانب آخر بـ أنّ (الله لیس بظلام للعبید ) وأنّ قانونه فی الجزاء یدور على محور العدل المطلق، وهذا هو نفس ما تعتقد به العدلیة (وهم القائلون بالعدل الإلهی، وهم الشیعة وطائفة من أهل السنة المسمّون بالمعتزلة).

غیر أنّ هناک فی الطرف الآخر جماعة من أهل السنة «وهم الذین یسمّون بالأشاعرة» لهم اعتقاد غریب فی هذا المجال فهم یقولون: إنّه تعالى هو المالک فی خلقه یفعل ما یشاء ویحکم ما یرید، فلو أدخل الخلائق بأجمعهم الجنّة لم یکن حیفاً، ولو أدخلهم النّار لم یکن جوراً... فلا یتصوّر منه ظلم، ولا ینسب إلیه جور (3) .

والآیة الحاضرة تفند هذا النوع من الآراء والمقالات تفنیداً باتاً ومطلقاً وتقول بصراحة لا غبش فیها ولا غموض: (ذلک بما قدّمت أیدیکم وأنّ الله لیس بظلاّم للعبید ).

على أنّ لفظة «ظلاّم» صیغة مبالغة، وتعنی من یظلم کثیراً، ولعل اختیار هذه الصیغة فی هذا المکان مع أنّ الله سبحانه لا یظلم حتى إذا کان الظلم صغیراً، لأنّه إذا أجبر الناس على الکفر والمعصیة، وخلق فیهم دواعی العمل القبیح ودوافعه، ثمّ عاقبهم على ما فعلوه بإجباره وإکراهه لم یکن بذلک قد ارتکب ظلماً صغیراً فحسب، بل کان «ظلاّماً».


1. إنّما أضیفت أعمال الإنسان إلى یده وإن کانت الذنوب تکتسب بجمیع الجوارح لأنّ أکثر ما یکسبه الإنسان إنّما یکسبه بیده، ولأن العادة قد جرت بإضافة الأعمال التی یقوم بها الإنسان إلى الید وإن اکتسبها بجارحة اُخرى.
2. نهج البلاغة، الخطبة 178.
3. الملل والنحل للشهرستانی، طبعة بیروت، ج 1، ص 101، تحقیق محمّد الکیلانی.

 

سبب النّزولسورة آل عمران / الآیة 183 ـ 184
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma