إنّ أهمیّة هذه النعمة العظمى (البعثة النبویة) إنّما تتضح تمام الوضوح وتتجلى تمام الجلاء عندما یقاس الوضع الذی آلوا إلیه بالوضع الذی کانوا علیه، وملاحظة مدى التفاوت بینهما وهذا هو ما یعنیه قوله: (وإن کانوا من قبل لفی ضلال مبین ).
وکأن القرآن یخاطبهم قائلاً: إرجعوا إلى الوراء وانظروا إلى ما کنتم علیه من سوء الحال قبل الإسلام، کیف کنتم، وکیف صرتم؟؟
إنّ الجدیر بالتأمل هو وصف القرآن الکریم للعهد الجاهلی بقوله: (ضلال مبین ) لأنّ للضلال أنواعاً وأصنافاً: فمن الضلال ما لایمکن معه للإنسان أن یمیز بین الحق والباطل، والخطأ والصواب بسهولة، ومن الضلال ما یکون بحیث لو رجع الإنسان إلى نفسه أدنى رجوع، وتمتع بأقل قدر من الإدراک والشعور إهتدى إلى الصواب وأدرک الخطأ فوراً.
ولقد کان الناس وخاصة سکان الجزیرة العربیة قبل البعثة النبویة المبارکة، ومجیء الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) بالإسلام فی ضلال مبین، فقد کان الشقاء والجهل، وغیر ذلک من حالات الانحطاط والسقوط والفساد سائداً فی کلّ أرجاء المعمورة فی ذلک العصر، وهو أمر لم یکن خافیاً على أحد.