تضمنت الآیات السابقة الحدیث عن شتى جوانب معرکة «اُحد» وملابساتها ونتائجها، وقد جاء الآن دور المنافقین وضعاف الإیمان من المسلمین الذین تقاعسوا عن الحضور فی «اُحد» تبعاً للمنافقین، لأننا نقرأ فی الأحادیث أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) عندما أمر بالتحرک إلى «اُحد» تخلف جماعة من المنافقین عن التوجه إلى المیدان بحجة أنّه لن یقع قتال، وتبعهم فی ذلک بعض المسلمین من ضعاف الإیمان، فنزل قوله تعالى (أفمن اتّبع رضوان الله ) ولبى نداء النّبی واتبع أمره بالخروج (کمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصیر ).
ثمّ یقول تعالى: (هم درجات عند الله ) أی أنّ لکل واحد منهم درجة بنفسه ومکانة عند الله، وهو إشارة إلى أنّه لا یختلف المنافقون عن المجاهدین فقط، بل إنّ لکلّ فرد من أفراد هاتین الطائفتین درجة خاصة تناسب مدى تضحیته وتفانیه فی سبیل الله أو مدى نفاقه وعدائه لله تعالى، وتبدأ هذه الدرجات من الصفر وتستمر إلى خارج حدود التصوّر.
هذا وقد نقل فی روایة عن الإمام علی بن موسى الرض (علیه السلام) أنّه قال: «الدرجة ما بین السماء والأرض» (1) .
وجاء فی حدیث آخر «إنّ أهل الجنّة لیرون أهل علیین کما یرى النجم فی اُفق السماء» (2) بید أنّنا یجب أنّ نعلم أن «الدرجة» تطلق عادة على تلک الوسیلة التی یرتقی بها الإنسان ویصعد إلى مکان مرتفع، فی حین أنّ الدرجات التی یستخدمها الإنسان للنزول من مکان مرتفع إلى مکان منخفض تسمى «درکاً» ولهذا جاء فی شأن الأنبیاء (علیهم السلام) فی سورة البقرة الآیة 253 (ورفع بعضهم درجات ) وجاء فی حقّ المنافقین فی سورة النساء الآیة 145 (إنّ المنافقین فی الدّرک الأسفل من النار ) ولکن حیث کان البحث فی الآیة الحاضرة حول کلا الفریقین غلب جانب المؤمنین، فکان التعبیر بالدرجة دون غیرها إذ قیل (هم درجات عند الله ).
ثمّ یقول سبحانه فی ختام هذه الآیة (والله بصیر بما یعملون ) أی أنّه سبحانه عالم بأعمالهم جمیعاً فهم یعلم جیداً من یستحق أیة درجة من الدرجات، بحیث تلیق بنیّته وإیمانه وعلمه.
1. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 406.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
