السیاحة والسیر فی الأرض

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
النظر فی تاریخ الماضین وآثارهمسورة آل عمران / الآیة 139 ـ 143

إنّ الآثار المتبقیة فی مختلف بلدان العالم من الاُمم والعهود السابقة ما هی ـ فی الحقیقة ـ إلاّ وثائق التاریخ الحیة والناطقة، بل هی قادرة على أن تعطینا من الحقائق والأسرار أکثر ممّا یعطینا التاریخ المدون.

إنّ الآثار الباقیة من العصور السالفة بما فیها من أشکال وصور ونقوش وکیفیات تدلنا على ما کانت تتمتع به الاُمم البائدة من روح وفکر، وثقافات ومبادىء، وعظمة أو صغار، فی حین لا یجسّد التاریخ المدون سوى الحوادث الواقعة وسوى صور خاویة عنها.

أجل، إنّ خرائب قصور الطغاة وبقایا آثار عظیمة مثل الأهرام، وبرج بابل، وقصور کسرى، وآثار الحضارة المندثرة لقوم سبأ، ومئات من نظائرها الاُخرى من هذه الآثار المنتشرة فی شتى أنحاء هذا الکوکب تنطوی ـ رغم صمتها ـ على ألف حدیث وحدیث، وألف کلمة وکلمة.

ولهذا عمد کبار الشعراء إلى الإستلهام من هذه الأطلال والآثار واستوحوا منها الدروس والعبر والعظات، ونقلوا إلى الآخرین عبر قصائدهم ما کان یجیش فی صدورهم، وینقدح فی نفوسهم من المشاعر والأحاسیس المختلفة، تجاه ما تحکیه هذه الأطلال والآثار من معانی وتعطیه من دلالات.

ولقد لخص أحد الأدباء هذه الحقیقة فی بیت شعری إذ قال:

إنّ آثارنا تدل علینا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار

إنّ مطالعة سطر واحد من هذه التواریخ الحیة الناطقة تعادل ـ فی الحقیقة ـ مطالعة کتاب ضخم فی مجال التاریخ، وأنّ ما تبعثه تلک المطالعة فی النفس والروح البشریة لا یقاس به شیء مهما عظم.

ذلک لأنّنا عندما نقف أمام آثار الماضین تتمثل أمامنا تلک الآثار وکأنّها قد استعادت حیاتها، ودب فیها الروح، وکأنّ العظام النخرة قد خرجت من تحت الأرض حیة، وکأنّ کلّ شیء قد عاد إلى سیرته الاُولى، وکأنّ جمیع الأشیاء تنطق وتتحدث، ثمّ إذا أعدنا النظر

وجدناها صامتة میتة منسیة، وهذه المقایسة بین هاتین الحالتین ترینا غباء اُولئک المستبدین الذین یرتکبون آلاف الجرائم، وأفظع الجنایات للوصول إلى الشهوات العابرة، واللذائذ الخاطفة.

ولهذا یحث القرآن المسلمین على السیر فی الأرض، والنظر إلى آثار الماضین المدفونة تحت التراب أو الباقیة على ظهر الأرض بأم أعینهم، وأن یتخذوا من کلّ ذلک العظة والعبرة وما أکثر العبر.

أجل، إنّ الإسلام یقر مسألة السیاحة والسیر فی الأرض، ویولیها أهمیّة کبرى، لکن لا کما یرید السیاح وطلاب اللذة والهوى، بل لدراسة آثار الاُمم الماضیة والتدبر فیها، والاعتبار بها، والوقوف على آثار العظمة الإلهیّة فی شتى نقاط العالم وهذا هو ما یسمیه القرآن الکریم بالسیر فی الأرض، والذی تأمر به الآیات العدیدة ومن ذلک:

(قل سیروا فی الأرض فانظروا کیف کان عاقبة المجرمین ) (1) .

(أفلم یسیروا فی الأرض فتکون لهم قلوب یعقلون بها ) (2)

(قل سیروا فی الأرض فانظروا کیف بدأ الخلق ) (3) . وآیات اُخرى... (4)

إنّ هذه الآیة تقول بأن السیر فی الأرض والنظر فی آثار الماضین یفتح العقول والعیون، وینیر القلوب والأفئدة، ویخلص الإنسان من الجمود والرکود.

وقد أشار الإمام علی أمیرالمؤمنین (علیه السلام) إلى هذه الحقیقة فی کلمات وخطب عدیدة منها قوله: «فاعتبروا بما أصاب الاُمم المستکبرین من قبلکم من بأس الله وصولاته، ووقائعه ومثلاته واتعظوا بمثاوی خدودهم، ومصارع جنوبهم واستعیذوا بالله من لواقح الکبر کما تستعیذونه من طوارق الدهر...

واحذروا ما نزل بالاُمم قبلکم من المثلات بسوء الأفعال، وذمیم الأعمال، فتذکروا فی الخیر والشرّ أحوالهم، واحذروا أن تکونوا أمثالهم فإذا تفکرتم فی تفاوت حالیهم فالزموا کلّ أمر لزمت العزة به شأنهم وزاحت الأعداء له عنهم، ومدت العافیة به علیهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الکرامة علیه حبلهم من الإجتناب للفرقة واللزوم للاُلفة والتحاض علیها، والتواصی بها، واجتنبوا کلّ أمرکسر فقرتهم وأوهن منّتهم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور وتدابرالنفوس، وتخاذل الأیدی...» (5) .

ولکن هذا التعلیم الإسلامی الحی قد نسی ـ مع الأسف ـ کبقیة التعالیم الإسلامیة ولم یلتفت إلیه المسلمون، بل إنّ بعض العلماء والمفکرین الإسلامیین حصروا الزمان والمکان فی فکرهم، فعاشوا فی عالم غیر عالم الحیاة هذا، وبقوا فی معزل عن التحولات الإجتماعیة، وأشغلوا أنفسهم باُمور حقیرة وقضایا جزئیة قلیله الأثر بالقیاس إلى الأعمال الجوهریة والقضایا الأساسیة.

ففی عالم نجد فیه البابوات والقساوسة المسیحیین الذین طالما حبسوا أنفسهم بین جدران الکنائس قد خرجوا من تلک العزلة الطویلة والانقطاع عن الحیاه الاجتماعیة إلى العالم الخارجی وراحوا یسیحون فی الأرض، ویقیمون الجسور والعلاقات مع الاُمم والشعوب لیزدادوا خبرة بالعصر، ویقفوا على متطلباته ومستجداته ومتغیراته الکثیرة، أفلا یجدر بالمسلمین أن یعملوا بهذا التعلیم الإسلامی الصریح، ویخرجوا من النطاق الفکری الضیق الذی هم فیه حتى یتحقق التحول المطلوب فی حیاة الاُمة الإسلامیة، وتحل الحرکة الصاعدة محل الجمود والتقهقر، والتقدّم المطرد مکان التخلّف والتراجع؟

ولما کان التعلیم الإلهی العظیم ـ رغم کونه موجهاً إلى عامة المخاطبین ـ لا ینتفع به ولا یستلهمه إلاّ المتقون قال سبحانه تعقیباً على الآیة السابقة (هذا بیان للناس وهدًى وموعظة للمتّقین ).

أجل، إنّ المتقین الهادفین هم الذین یتعظون بهذه الاُمور لأنّهم یبحثون عن کلّ ما یعمق روح التقوى فی نفوسهم، ویزید بصیرتهم بالحقّ.

 


1. النمل، 69.
2. الحج، 46.
3. العنکبوت، 20.
4. یوسف، 109; والروم، 9 و42; وفاطر، 44; وغافر، 21 و82; ومحمّد، 10; والانعام، 11; والنحل، 36.
5. نهج البلاغة، الخطبة 192.  

 

النظر فی تاریخ الماضین وآثارهمسورة آل عمران / الآیة 139 ـ 143
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma