سیماء المتقین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
أین تقع الجنّة والنار؟سورة آل عمران / الآیة 137 ـ 138

لما صرّح فی الآیة السابقة بأنّ الجنّة اُعدت للمتقین، تعرضت الآیة التالیة لذکر مواصفات المتقین فذکرت خمساً من صفاتهم الإنسانیة السامیة هی:

إنّهم ینفقون أموالهم فی جمیع الأحوال، فی الشدّة والرخاء، فی السرّاء والضرّاء (الذین ینفقون فی السرّاء والضرّاء ).

وهم بهذا العمل یثبتون روح التعاطف مع الآخرین، وحب الخیر الذی تغلغل فی نفوسهم، ولهذا فهم یقدمون على هذا العمل الصالح والخطوة الإنسانیة فی جمیع الظروف والأحوال.

ولاشکّ أنّ الإنفاق فی حال الرخاء فقط لا یدلّ على التغلغل الکامل للصفات الإنسانیة فی أعماق الروح وإنّما یدلّ على ذلک إذا أقدم الإنسان على الإنفاق والبذل فی مختلف الظروف وفی جمیع الأحوال، فإنّ ذلک ممّا یدلّ على تجذر تلک الصفة فی النفوس.

یمکن أن یقال: وکیف یمکن للإنسان أن ینفق عندما یکون فقیراً؟

والجواب واضح تمام الوضوح:

أولاً: لأنّ الفقراء یمکنهم إنفاق ما یستطیعون علیه، فلیس للإنفاق حدّ معین لا فی القلة ولا فی الکثرة.

وثانیاً: لأنّ الإنفاق لا ینحصر فی بذل المال والثروة فحسب، إذ للإنسان أن ینفق من کلّ ما وهبه الله، ثروة کان أو علماً أو جاهاً أو غیر ذلک من المواهب الإلهیّة الاُخرى.

وبهذا یرید الله سبحانه أن یرکز روح التضحیة والعطاء، والبذل والسخاء حتى فی نفوس الفقراء والمقلّین حتى یبقوا ـ بذلک ـ فی منأى عن الرذائل الأخلاقیة التی تنشأ من «البخل».

إنّ الذین یستصغرون الإنفاقات القلیلة فی سبیل الله ویحتقرونها إنّما یذهبون هذا المذهب، لأنّهم حسبوا لکلّ واحد منها حساباً مستقلاً وخاصاً، ولو أنّهم ضموا هذه الإنفاقات الجزئیة بعضها إلى بعض، ودرسوها مجتمعة لتغیرت نظرتهم هذه.

فلو أنّ کلّ واحد من أهل قطر من الأقطار ـ فقراء وأغنیاء ـ قدّم مبلغاً صغیراً لمساعدة

الآخرین من عباد الله، ولتقدم الأهداف والمشاریع الاجتماعیة، لاستطاعوا أن یقوموا بأعمال ضخمة وکبیرة، مضافاً إلى ما یجنونه من هذا العمل من آثار معنویة لا ترتبط بحجم الإنفاق، وتعود إلى المنفق فی کلّ حال.

والملفت للنظر هو أنّ أول صفة ذکرت للمتقین هنا هو «الإنفاق» لأنّ هذه الآیات تذکر ـ فی الحقیقة ـ ما یقابل الصفات التی ذکرت للمرابین والمستغلّین فی الآیات السابقة. هذا مضافاً إلى أن غض النظر عن المال والثروة فی السرّاء والضراء من أبرز علائم التقوى.

أنّهم قادرون على السیطرة على غضبهم: (والکاظمین الغیظ ).

ولفظة «الکظم» تعنی فی اللغة شد رأس القربة عند ملئها، فیقول کظمت القربة إذا ملأتها ماء ثمّ شددت رأسها، وقد استعملت کنایة عمن یمتلىء غضباً ولکنه لا ینتقم.

وأمّا لفظة «الغیظ» فتکون بمعنى شدة الغضب والتوتر والهیجان الروحی الشدید الحاصل للإنسان عندما یرى ما یکره.

وحالات الغیظ والغضب من أخطر الحالات التی تعتری الإنسان، ولو ترکت وشأنها دون کبح لتحولت إلى نوع من الجنون الذی یفقد الإنسان معه السیطرة على أعصابه وتصرفاته وردود فعله.

ولهذا فإنّ أکثر ما یقترفه الإنسان من جرائم وأخطاء وأخطرها على حیاته هی التی تحصل فی هذه الحالة، ولهذا تجعل الآیة «کظم الغیظ» و«کبح جماح الغضب» الصفة البارزة الثانیة من صفات المتقین.

قال النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) «من کظم غیظاً وهو قادر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإیماناً». (1)

وهذا الحدیث یفید أن کظم الغیظ له أثر کبیر فی تکامل الإنسان معنویاً، وفی تقویة روح الإیمان لدیه.

أنهم یصفحون عمن ظلمهم (والعافین عن الناس ).

إنّ کظم الغیظ أمر حسن جدّاً، إلاّ أنّه غیر کاف لوحده، إذ من الممکن أن لایقلع ذلک جذور العداء من قلب المرء، فلابدّ للتخلص من هذه الجذور والرواسب أن یقرن «کظم الغیظ» بخطوة اُخرى وهی «العفو والصفح» ولهذا أردفت صفة «الکظم للغیظ» التی هی بدورها من أنبل الصفات بمسألة العفو.

 

ثمّ إنّ المراد هو العفو والصفح عن من یستحقون العفو، لا الأعداء المجرمون الذین یحملهم العفو والصفح على مزید من الإجرام، وینتهی بهم إلى الجرأة أکثر.

أنهم محسنون: (والله یحبّ المحسنین ).

وهنا إشارة إلى مرحلة أعلى من «العفو والصفح» وبهذا یرتقی المتقون من درجة إلى أعلى فی سلّم التکامل المعنوی.

وهذه السلسلة التکاملیة هی أن لا یکتفی الإنسان تجاه الإساءة إلیه بکظم الغیظ ولا یکتفى أیضاً بأن یعفو ویصفح عن المسىء لیغسل بذلک آثار العداء عن قلبه، بل یعمد إلى القضاء على جذور العداء فی فؤاد خصمه المسیء إلیه أیضاً، وذلک بالإحسان إلیه، وبذلک یکسب وده وحبّه، ویمنع من تکرار الإساءة إلیه فی مستقبل الزمان.

وخلاصة القول أنّ القرآن یأمر المسلم بأن یکظم غیظه أولاً ثمّ یطهر قلبه بالعفو عنه، ثمّ یطهر فؤاد خصمه من کلّ رواسب الضغینة وبقایا العداء بالإحسان إلیه.

إنّه تدرج عظیم من صفة إنسانیة خیّرة إلى صفة إنسانیة أعلى هی قمة الخلق وذروة الکمال المعنوی.

ولقد روی فی المصادر الشیعیة والسنّیة فی ذیل هذه الآیة أنّ جاریة لعلی بن الحسین (علیهما السلام) جعلت تسکب علیه الماء لیتهیأ للصلاة، فسقط الإبریق من یدها فشجه، فرفع رأسه إلیها فقالت له الجاریة: إنّ الله تعالى یقول: (والکاظمین الغیظ ) فقال لها: قد کظمت غیظی. قالت: (والعافین عن الناس ) قال: «قد عفوت وقد عفى الله عنک» قالت: (والله یحبّ المحسنین ) قال: اذهبی فأنت حرة لوجه الله (2) .

إنّ هذا الحدیث شاهد حی بأنّ کلّ مرحلة متأخرة من تلک المراحل أفضل من المرحلة المتقدمة.

إنّهم لا یصرّون على ذنب: (والّذین إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذکروا الله فاستغفروا لذنوبهم ).

و«الفاحشة» مشتقة أصلاً من الفحش، وهو کلّ ما اشتد قبحه من الذنوب، ولا یختص بالزنا خاصّة، لأن الفحش ـ فی الأصل ـ یعنی «تجاوز الحدّ» الذی یشمل کلّ ذنب.

 

هذا وفی الآیة أعلاه إشارة إلى إحدى صفات المتقین، فالمتقون مضافاً إلى الإتصاف بما ذکر من الصفات الإیجابیة، إذا اقترفوا ذنباً، (ذکروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن یغفر الذنوب إلاّ الله ولم یصرّوا على ما فعلوا ).

یستفاد من هذه الآیة أنّ الإنسان لا یذنب مادام یتذکر الله، فهو إنّما یذنب إذا نسی الله تماماً واعترته الغفلة، ولکن لا یلبث هذا النسیان وهذه الغفلة ـ لدى المتقین ـ حتى تزول عنهم سریعاً ویذکرون الله، فیتدارکون ما فات منهم، ویصلحون ما أفسدوه.

إنّ المتقین یحسّون إحساساً عمیقاً بأنّه لا ملجأ لهم إلاّ الله، فلابدّ أن یطلبوا منه المغفرة لذنوبهم دون سواه (ومن یغفر الذنوب إلاّ الله ).

وینبغی أن نعلم أنّ القرآن ذکر مضافاً إلى «الفاحشة» «ظلم النفس» (أو ظلموا أنفسهم )ویمکن أن یکون الفرق بین هذین هو أنّ الفاحشة إشارة إلى الذنوب الکبیرة، و«ظلم النفس» إشارة إلى الذنوب الصغیرة.

ثمّ إنّه سبحانه تأکیداً لهذه الصفة قال: (ولم یصرّوا على ما فعلوا وهم یعلمون ).

وقد نقل عن إلامام الباقر (علیه السلام) أنّه قال: «الإصرار: أن یذنب الذنب فلا یستغفر الله، ولا یحدث نفسه بتوبة، فذلک الإصرار» (3) .

وفی أمالی الصدوق بإسناده إلى الإمام الصادق جعفر بن محمّد (علیهما السلام) قال: «لما نزلت هذه الآیة (إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذکروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) صعد إبلیس جبلاً بمکّة یقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاریته، فاجتمعوا إلیه فقالوا یا سیدنا لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآیة فمن لها؟ فقام عفریت من الشیاطین. فقال: أنا لها بکذا وکذا.

قال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلک.

فقال: لست لها.

فقال: الوسواس الخناس أنا لها.

قال: بماذا؟ قال: أعدهم وامنیهم حتى یواقعوا الخطیئة فإذا واقعوا الخطیئة أنسیتهم الإستغفار.

 

فقال: أنت لها، فوکله بها إلى یوم القیامة» (4) .

ومن الواضح أنّ النسیان ناشىء من التساهل، والوساوس الشیطانیة، وإنّما یبتلى بها من سلم نفسه لها، وخضع لتأثیرها، وتعاون مع الوسواس الخناس واستجاب له.

ولکن الیقظین المؤمنین تجدهم فی أعلى درجة من مراقبة النفس، فکلّما صدرت منهم خطیئة أو بدر ذنب، بادروا ـ فی أقرب فرصة ـ إلى غسل ما ران على قلوبهم ونفوسهم من درن المعصیة، وأغلقوا منافذ أفئدتهم على جنود الشیطان الذین لا یستطیعون النفوذ إلى القلوب من الأبواب المؤصدة.

هذه هی أبرز صفات المتقین وأقوى المعالم فی سلوکهم وخلقهم، قد تعرضت لذکرها الآیات السابقة.

والآن جاء الدور لیذکر القرآن الکریم ما ینتظر هذا الفریق من الثواب والجزاء اللائق.

وکان ذلک إذ قال سبحانه: (اُولئک جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنّات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها ).

لقد ذکر فی هذه الآیة جزاء المتقین الذین تعرضت الآیات السابقة لذکر أوصافهم وأبرز صفاتهم، وهذا الجزاء عبارة عن: مغفرة ربانیة، وجنات خالدات تجری من تحتها الأنهار بدون إنقطاع أبداً.

والحقیقة أن الإشارة هنا کانت إلى المواهب المعنویة (وهی المغفرة والطهارة الروحیة والتکامل المعنوی) أولاً، ثمّ إلى المواهب المادیة.

ثمّ إنّه سبحانه یعقب ما قال عن الجزاء بقوله: (ونعم أجر العاملین ) أی ما أروع هذا الجزاء الذی یعطى للعاملین لا للکسالى، الذین یتهرّبون من مسؤولیاتهم، ویتملّصون من التزاماتهم.


1. أصول الکافی، ج 2، ص 110، ح 7.
2. تفسیر الدرّالمنثور، وتفسیر نورالثقلین، ذیل الآیة مورد البحث; ومستدرک الوسائل، ج 1، ص 345.
3. تفسیر العیاشی، ذیل الآیة مورد البحث; ووسائل الشیعة، ج 15، ص 338.
4. المصدر السابق، ج 16، ص 66 و67. 

 

أین تقع الجنّة والنار؟سورة آل عمران / الآیة 137 ـ 138
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma