قلنا إنّ الآیة الحاضرة إشارة إلى الربا الفاحش معبرة عن ذلک بقوله (أضعافاً مضاعفة ).
والمراد من «الربا الفاحش» هو أن تکون الزیادة الربویة تصاعدیة، بمعنى أن تُضم الزیادة المفروضة أولاً على رأس المال ثمّ یصبح المجموع مورداً للربا، بمعنى أنّ الزیادة ثانیاً تقاس بمجموع المبلغ (الذی هو عبارة عن رأس المال والزیادة المفروضة فی المرة الاُولى) ثمّ تضم الزیادة المفروضة ثانیاً إلى ذلک المبلغ، وتفرض زیادة ثالثة بالنسبة إلى المجموع (1) .
وهکذا یصبح مجموع رأس المال والزیادة فی کلّ مرّة رأس مال جدید تضاف علیه زیادة جدیدة بالنسبة، وبهذا یبلغ الدین أضعاف المبلغ الأصلی المدفوع إلى المدیون حتى یستغرق کلّ ماله.
ولهذا قال القرآن الکریم: (یا أیّها الّذین آ منوا لا تأکلوا الربا أضعافاً مضاعفة ).
ویستفاد من الأخبار والروایات أنّ الرجل ـ فی الجاهلیة ـ إذا کان یتخلف عن أداء دینه عند الموعد المقرر طلب من الدائن أن یضیف الزیادة على المبلغ ثمّ یؤخره إلى أجل آخر، وهکذا حتى یستغرق بالشیء الطفیف مال المدیون.
وهذا هو السائد بعینه فی عصرنا الحاضر ویفعله المرابون الکبار دون رحمة.
ولاشکّ أنّ مثل هذا الفعل یدر على أصحاب الأموال مبالغ ضخمة دون عناء، فلا یمکن الإرتداع عنه الإّ بتقوى الله، ولهذا عقب سبحانه نهیه عن مثل هذا الربا الظالم بقوله: (واتّقوا الله لعلّکم تفلحون ).
ولکن هل یکفی الأمر بتقوى الله والترغیب فی الفلاح فی صورة ترک الربا؟ أم لابدّ من التلویح بالعذاب الأخروی للمرابین؟ ولهذا قال سبحانه فی الآیة الثانیة (واتّقوا النار التی أعدّت للکافرین ) فهذه الآیة تأکید لحکم التقوى الذی مرّ فی الآیة السابقة.
ویوحی التعبیر بـ «الکافرین» أن أخذ الربا لا یتفق أساساً مع روح الإیمان، ولهذا ینتظر المرابین ما ینتظر الکافرین من النار والعذاب.
کما یستفاد من ذلک أن النار أعدت أساساً للکافرین، وینال العصاة والمذنبون من هذه النار بقدر شباهتهم بالکفّار، وتعاونهم معهم.
ثم إنّه سبحانه یمزج ذلک التهدید بشیء من التشجیع والترغیب للمطیعین والممتثلین لأوامره تعالى إذ یقول: (وأطیعوا الله والرسول لعلّکم ترحمون ).