هذه الآیة ـ فی الحقیقة ـ تأکید لمفاد الآیة السابقة، فیکون المعنى هو: أنّ العفو أو المجازاة لیس بید النّبی، بل هو لله الذی بیده کلّ ما فی السماوات وکلّ ما فی الأرض، فهو الحاکم المطلق لأنّه هو الخالق، فله الملک وله التدبیر، وعلى هذا الأساس فإنّ له أن یغفر لمن یشاء من المذنبین، أو یعذّب، حسب ما تقتضیه الحکمة، لأنّ مشیئته تطابق الحکمة: (ولله ما فی السماوات وما فی الأرض یغفر لمن یشاء ویعذّب من یشاء ).
ثمّ إنّه سبحانه یختم الآیة بقوله: (والله غفور رحیم ) تنبیهاً إلى أنّه وإن کان شدید العذاب، إلاّ أنّ رحمته سبقت غضبه، فهو غفور رحیم قبل أن یکون شدید العقاب والعذاب.
وهنا یحسن بنا أن نشیر إلى ما ذکره أحد کبار العلماء المفسّرین الإسلامیین وهو العلاّمة الطبرسی من سؤال وجواب حول هذه الآیة، لکونه على اختصاره فی غایة الأهمیّة من الناحیة الاعتقادیة، فقد ذکر فی ذیل هذه الآیة أنّه: سُئل بعض العلماء: کیف یعذب الله عباده بذنوبهم مع سعة رحمته؟
فقال: «رحمته لا تغلب حکمته، إذ لا تکون رحمته برقة القلب کما تکون الرحمة منّا».
بمعنى أنّ الرحمة الإلهیّة لا تکون على أساس عاطفی کما هو الحال فینا، بل إنّ رحمته ممتزجة دائماً مع حکمته، وحکمته توجب عقوبة المذنبین (إلاّ فی موارد خاصّة).