حذر الله سبحانه المسلمین فی هذه الآیة من أن یتخذوا أعداءهم بطانة یسرون إلیهم بأسرارهم واُمورهم وهو تحذیر عام لا یختص بزمان دون زمان، ولا بمکان دون مکان، ولا بطائفة من المسلمین دون طائفة.
فلابدّ أن یحذر المسلمون من هذا العمل فی جمیع الأزمنة والأمکنة، حفاظاً على أمن المسلمین وکیانهم.
ولکننا مع الأسف نجد الکثیرین من أتباع القرآن قد غفلوا عن هذا التحذیر الإلهی المهم، فتعرضوا لتبعات هذا العمل وآثاره السلبیة.
فها نحن نجد أعداء کثیرین یحیطون بالمسلمین من کلّ جانب، یتظاهرون بمحبّة المسلمین وصداقتهم، وربّما أعلنوا تأییدهم فی بعض الاُمور، ولکنهم بما یظهرون ـ فی بعض الأحیان ـ من مواقف عدائیة یکشفون عن کذبهم، ومع ذلک ینخدع المسلمون بما یتظاهر هؤلاء الأعداء به من صداقة وحب وتأیید، ویعتمدون علیهم أکثر ممّا یعتمدون على إخوانهم من المسلمین المشارکین لهم فی العقیدة والمصیر، فی حین أنّ الأعداء والأجانب لا یریدون للأمة الإسلامیة إلاَّ الشقاء والتأخر، وإلاَّ الهلاک والدمار، ولا یألون جهداً فی إثارة المشاکل فی وجه المسلمین وإیجاد الصعوبات فی حیاتهم.
ولا نذهب بعیداً، فإنّ الأعوام الأخیرة شهدت حربین بین المسلمین وأعدائهم الصهاینة، ففی الحرب الاُولى (حرب حزیران) تحمل المسلمون هزیمة ساحقة ونکسة قاصحة، فی حین أنّهم فی حربهم الثانیة (حرب رمضان) استطاعوا تحقیق انتصارات باهرة على الأعداء وتغیّرت الخارطة السیاسیة لصالحهم، وتمکنوا من دفن اُسطورة الجیش الإسرائیلی والرعب والخوف فی صحراء «سیناء» وهضبة «الجولان» منذ الأیّام الاُولى للحرب، وذاق المسلمون أخیراً طعم النصر لأول مرّة فی العقود الأخیرة.
ماذا حصل فی هذه المدّة القصیرة التی شهدت هذا التحول الکبیر؟ الجواب بحاجة إلى بحث طویل، ولکن من المتیقّن أنّ أحد الأسباب المؤثرة فی تلک الهزیمة وهذا النصر هو أنّ الأجانب والذین کانوا یظهرون الود والصداقة للمسلمین کانوا على علم بأمر الحرب وتفاصیلها، ولکن فی الحرب الثانیة لم یطلع على أسرار الحرب سوى اثنان أو ثلاثة من رؤساء البلدان الإسلامیة، وهذا هو أحد عوامل النصر، وشاهد حیّ على عظمة هذا الدستور السماوی والقرآنی.