یبدو من الآیة أعلاه ومن سبب نزولها أن قبول توبة المرتد (وهو الذی أسلم ثمّ عاد عن إسلامه) یرتبط بنوع الإرتداد، فثمّة «المرتدّ الفطری» وهو المرتد الذی ولد من أبوین مسلمین، أو انعقدت نطفته حین کان أبواه مسلمین، ثمّ قبل الإسلام وعاد عنه بعد ذلک، وهناک «المرتدّ الملّی» وهو الذی لم یولد من أبوین مسلمین.
توبة المرتدّ الملّی تقبل، وعقوبته فی الواقع خفیفة لأنّه لیس مسلماً بالمولد، لکن حکم المرتدّ الفطری أشد، هذا المرتدّ ـ وإن قبلت توبته لدى الله سبحانه ـ یُحکم بالإعدام إن ثبت إرتداده، وتوزّع أمواله على ورثته المسلمین، وتنفصل عنه زوجته، ولا تحول توبته دون إنزال هذه العقوبة بحقّه.
لکن هذه الشدّة تخصّ ـ کما قلنا ـ المرتدّ الفطری، وبشرط أن یکون رجلاً، قد تعجّب بعضهم لهذا التشدّد، وربّما اعتبر نوعاً من الفظاظة القاسیة البعیدة عن الرحمة، الأمر الذی لا یتّسق مع روح الإسلام.
غیر أنّ لهذا الحکم فلسفة أساساً، وهی حفظة الجبهة الداخلیة فی بلاد الإسلام ضدّ نفوذ المنافقین والأجانب، وللحیلولة دون تفکّکها واضمحلالها، إنّ الإرتداد ضرب من التمرّد على نظام البلد الإسلامی، وحکمه الإعدام فی أنظمة الکثیر من قوانین العالم الیوم، إذ لو اُجیز لمن یشاء أن یعتنق الإسلام متى شاء وأن یرتدّ عنه متى شاء، لتحطّمت الجبهة الداخلیة سریعاً، ولانفتحت أبواب البلد أمام الأعداء وعملائهم، ولساد المجتمع الإسلامی الهرج والمرج، وبناءً على ذلک فإنّ هذا الحکم حکم سیاسی فی الواقع، ولابدّ منه لحمایة الحکومة الإسلامیة والمجتمع الإسلامی وللضرب على أیدی العملاء والأجانب.
أضف إلى ذلک أنّ من یتقبّل الإسلام بعد التحقّق والتدقیق، ثمّ یترکه لیعتنق دیناً آخر، لا یمتلک دوافع سلیمة ومنطقیة، وهو بذلک یستحقّ أشدّ العقوبات، أمّا تخفیف هذا الحکم بالنسبة للمرأة، فلأنّ جمیع العقوبات تخفّف بشأنها.