تشیر الآیة إلى جانب آخر من آثام الیهود وأهل الکتاب، ولکونها وردت بصیغة عامّة، فإنّها تشمل کلّ من تنطبق علیه هذه الصفات.
تقول الآیة: (إنَّ الذین یشترون بعهد الله وأیمانهم ثمناً قلیلاً ) أی الذین یجعلون عهودهم مع الله والقسم باسمه المقدّس موضع بیع وشراء لقاء مبالغ مادّیة، سیکون جزاءهم خمس عقوبات:
1ـ أنّهم سوف یُحرمون من نِعم الله التی لا نهایة لها فی الآخرة (اُولئک لا خلاق (1) لهم فی الآخرة ).
2ـ إنّ الله یوم القیامة یکلّم المؤمنین ولکنّه لا یکلّم أمثال هؤلاء (ولا یکلّمهم الله ).
3ـ أنّ الله سوف لا ینظر إلیهم بنظر الرحمة واللطف یوم القیامة (ولا ینظر إلیهم یوم القیامة ). ومن ذلک یعلم أنّ الله تعالى فی ذلک الیوم یتکلم مع عباده المؤمنین (سواء مباشرة أو بتوسط الملائکة) ممّا یجلب لهم السرور والفرح ویکون دلیلاً على عنایته بهم ورعایته لهم، وکذلک النظر إلیهم، فهو إشارة إلى العنایة الخاصّة بهم، ولیس المقصود النظر الجسمانی کما توهم بعض الجهلاء.
أمّا الأشخاص الذین باعوا آیات الله بثمن مادی فلا یشملهم الله تعالى بعنایته، ولا یشرّفهم بمحادثة.
4ـ ولایطهّرهم من ذنوبهم (ولا یزکّیهم ).
5ـ وأخیراً سیعذّبهم عذاباً شدیداً (ولهم عذاب ألیم ).
ولیس المقصود من «الثمن القلیل» أنّ الإنسان إذا باع العهد الإلهی بثمن کثیر فیجوز له ذلک، بل المقصود أی ثمن مادّی یعطى مقابل إرتکاب هذه الذنوب الکبیرة، حتى وإن کان هذا الثمن یتمثّل فی رئاسات کبیرة وواسعة، فهی مع ذلک قلیلة.
بدیهیّ أنّ کلام الله لیس نطق اللسان، لأنّ الله منزّه عن التجسّد، إنّما الکلام عن طریق الإلهام القلبی، أو عن طریق إحداث أمواج صوتیة فی الفضاء، کالکلام الذی سمعه موسى (علیه السلام) من شجرة الطور.
1. «خلاق» من مادة «خُلُق» بمعنى النصیب والفائدة. وذلک لأن الإنسان یحصل علیها بواسطة اخلاقه (وهو إشارة إلى أنّهم یفتقدون الأخلاق الحمیدة التی تؤهلهم للانتفاع فی ذلک الیوم).
