(ودّت طائفة (1) من أهل الکتاب لو یُضلّونکم (2) )
سعى أعداء الإسلام، وعلى الأخصّ الیهود، کما جاء فی سبب النزول أن یباعدوا بین المسلمین والإسلام، ولم یتوانوا فی سبیل ذلک فی بذل کلّ جهد، حتى أنّهم طمعوا فی إغراء أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وآله) المقرّبین لعلّهم یستطیعون صرفهم عن الإسلام، ولاشکّ أنّهم لو نجحوا فی التأثیر على عدد منهم، أو حتى على فرد واحد منهم، لکان ذلک ضربة شدیدة على الإسلام تمهّد الطریق لتضلیل الآخرین أیضاً.
هذه الآیة تکشف خطّة الأعداء، وتنذرهم بالکفّ عن محاولاتهم العقیمة استناداً إلى التربیة التی نشأ علیها هذا الفریق من المسلمین فی مدرسة رسول الله (صلى الله علیه وآله) بحیث لا یمکن أن یکون هناک أیّ احتمال لارتدادهم. إنّ هؤلاء قد إعتنقوا الإسلام بکلّ وجودهم، ولذلک فإنّهم یعشقون هذه المدرسة الإنسانیة بمجامع قلوبهم ویؤمنون بها، وبناءً على ذلک لا سبیل للأعداء إلى تضلیلهم، بل إنّهم إنّما یضلّون أنفسهم.
(وما یضلّون إلاّ أنفسهم وما یشعرون ) وذلک لأنّهم بإلقاء الشبهات حول الإسلام وعلى رسول الإسلام واتّهامهما بشتّى التهم، إنّما یربّون فی أنفسهم روح سوء الظن، وبعبارة أوضح: إنّ العیّاب الذی یتصیّد الهفوات یعمى عن رؤیة نقاط القوّة، أو بسبب تعصّبه وعناده یرى النقاط المضیئة الإیجابیة نقاطاً مظلمة سلبیة، وکلّما ازداد إصراراً على هذا، إزداد بُعداً عن الحقّ.
ولعلّ تعبیر (وما یشعُرون ) إشارة إلى هذه الحالة النفسیة، وهی أنّ الإنسان یقع دون وعی منه تحت تأثیر أقواله هو أیضاً، وفی الوقت الذی یحاول فیه بالسفسطة والکذب والإفتراء أن یضلّ الآخرین، لا یکون هو نفسه بمنأى عن التأثیر بأکاذیبه، فتروح هذه الإختلافات تؤثّر بالتدریج فی روحه وتتمکّن فیه بعد فترة وجیزة بصورة عقیدة راسخة، فیصدّقها ویضلّ نفسه بها.
1. «طائفة»من مادة «الطواف». بمعنى الحرکة حول الشیء. وبما أنّ الناس کانوا فی السابق یسافرون بشکل جماعات لاحراز الأمان اطلقت هذه الکلمة علیها، ثمّ استعملت فی کل فئة وجماعة.
2. «لو» فی جملة ( لو یضلّونکم ) بمعنى «أن» المصدریة، وبما أنّ «لو» تعطی معنى التمنی جاءت فی هذه الجملة بدل «أن» لیکون التعبیر أبلغ.
