ممّا یلفت النظر فی هذه الآیة هو أنّ سبب الاختلافات الدینیة لیس الجهل وعدم المعرفة دائماً، بل هو على الأکثر الظلم والطغیان والانحراف عن الحقّ واتّباع وجهات النظر الخاصّة، فلو تخلّى الناس ـ وعلى الأخصّ العلماء منهم ـ عن التعصّب، والحقد، وضیق النظر، والمصالح الخاصّة، وتجاوز الحدود، والإعتداء على الحقوق، وتعمّقوا فی دراسة أحکام الله بنظرة واقعیة وبروح من العدالة، فسیرون محجّة الحقّ منیرة وسیستطیعون حلّ الاختلافات بسرعة.
وهذه الآیة فی الواقع ردّ دامغ على الذین یقولون: «إنّ الدین هو سبب الخلافات إراقة الدماء بین البشر على امتداد التاریخ».
هؤلاء یخلطون بین «الدین» و«التعصّب الدینی» والانحرافات الفکریة، فنحن إذا درسنا تعالیم الأدیان السماویة نجد أنّها جمیعاً تسعى لتحقیق هدف واحد، وکلّها جاءت من أجل سعادة الإنسان، وإن کان قد تکاملت تدریجیاً على مرور الزمن.
الأدیان السماویة أشبه فی الواقع بقطرات المطر النازلة من السماء حیث تکمن فیها الحیاة، ولکنّها إذا نزلت على الأراضی السبخة، کالأرض المالحة، اکتسبت صبغة هذه الأرض، فهذه الاختلافات لیست من قطرات المطر، بل هی من تلک الأراضی، ولکن من حیث مبدأ التکامل، فإنّ آخر تلک الأدیان یکون أکملها.