الکلام کثیر بشأن معنى «التأویل»، والأقرب إلى الحقیقة هو أنّ «التأویل» من «الأول» أی الرجوع إلى الأصل، وهو إیصال العمل أو الکلام إلى الهدف النهائی المراد منه. فإذا أقدم أحد على عمل ولم یکن هدفه من هذا العلم واضحاً، ثمّ یتوضّح ذلک فی النهایة، فهذا هو التأویل، کالذی نقرأه فی حکایة موسى (علیه السلام) مع الحکیم الذی کان یقوم بأعمال غامضة الأهداف «مثل تحطیم السفینة» فکان هذا مدعاة لإنزعاج موسى (علیه السلام)، ولکن عندما شرح له الحکیم فی نهایة المطاف وعند الفراق أهداف تلک الأعمال، وأنّه قصد إلى تخلیص السفینة من الوقوع فی ید سلطان غاصب وظالم، ختم شرحه بقوله: (ذلک تأویل ما لم تسطع علیه صبراً ) (1) .
کذلک إذا رأى الإنسان رؤیا لا تتّضح له نتیجتها، ثمّ تبیّن له تعبیرها بمراجعة شخص أو مشاهدة واقعة، فذلک هو تأویل الرؤیا، مثل یوسف (علیه السلام) الذی قال حین تحقّقت رؤیاه الشهیرة عملیاً، أو بعبارة اُخرى حین وصلت مرحلتها النهائیة (هذا تأویل رؤیای من قبل ) (2) .
وهکذا إذا صدر عن الإنسان کلام فیه مفاهیم وأسرار خاصّة تشکّل الهدف النهائی لذلک الکلام، فذلک هو التأویل.
هذا هو معنى التأویل فی الآیة، أی أنّ فی القرآن آیات ذات أسرار ومعان عمیقة غیر أنّ ذوی الأفکار المنحرفة والمقاصد الفاسدة یضعون من عندهم تفسیراً لا أساس له من الصحّة ویستندون إلیه لخداع أنفسهم أو غیرهم.
وعلیه، فإنّ المقصود من (ابتغاء تأویله ) هو أنّ هؤلاء یریدون أن یؤولوا الآیات بصورة تخالف حقیقتها، أی ابتغاء تأویله على خلاف الحقّ.
وکما قرأنا فی سبب نزول هذه الآیة أنّ بعض الیهود أوّلوا تلک الحروف المقطّعة فی القرآن تأویلاً لا یتّفق مع الحقیقة، فقالوا: إنّها تحدّد عمر الإسلام، وهکذا المسیحیّون أساؤوا تأویل «روح منه» لیثبتوا اُلوهیّة المسیح (علیه السلام)، هذه کلّها من قبیل «التأویل بخلاف الحقّ»، وإرجاعها إلى مقاصد بعیدة عن الحقیقة.
1. الکهف، 82.
2. یوسف، 100.
